يتشاطر النظام الأسدي على حساب لبنان في جريمة قتل يوسف طوق. يحسب أنه يسجِّل هدفاً في شِباك الشقيقة المُستباحة سيادتها، مُستخدماً مفردات لا علاقة له بها من قريب أو بعيد. إذ تدعو “مصادر” هذا النظام “المهجّرين السوريين الذين أجبرتهم ظروف الحرب الظالمة على مغادرة البلاد، للعودة الى وطنهم والعيش فيه بكرامة وأمان”، مع وعود بالعمل لتأمين “عيشهم الكريم”. وتتواقح المصادر عندما تطالب “الحكومة والجهات اللبنانية بمنع أيّ إستغلال لهذه الحادثة للإساءة للاجئين السوريين، والقيام بواجبهم بحماية المواطنين السوريين الموجودين في لبنان”.
هذا النظام نفسه، هو من ينكر وجود معتقلين مجهولي المصير في سجونه، من دون إغفال المفقودين، ومنذ عقود. ويرفض حتى الإشارة الى وجودهم، أحياءً أو أمواتاً. هو ذاته من يُبدع في ترصيع أجساد الذين يصطفيهم بوشوم الوطنية والعزّة والتصدّي والصمود. ولا يفرّق في ذلك بين لبنانيين وسوريين.
في الأصل، هو من قام بواجبه كاملاً تجاه لبنان، شعباً وطبقات سياسية يفبركها على مقاسه. يُذلّ من يشاء ويُعزُّ من يشاء.. يُلغي من يشاء وينفي من يشاء. ومن ينفيه لا يفنيه، لكنّه يُخضعه لعملية إعادة التدوير وِفق مصلحته ومصلحة المِحور الذي ذوَّب له دوره الإستراتيجي وحوّله الى منتحل خطاب فارغ المضامين.
الطامة الكبرى أنّ النموذج الأسدي فرَّخ عندنا نسخاً تتشبّه به وتتفوّق عليه في الأداء، بحيث بات يصعب التمييز بين الأصل والتقليد. وميزان العرض والطلب فتح السوق لمن يجد لديه مواصفات مطابقة لحاجة رأس المِحور وِفق متطلّبات دقّة المرحلة وتعقيداتها.
فهذه النسخ تحفظ عن ظهر قلب أمثولة تحريك الغرائز الطائفية، تغذّيها بخطاب الكراهية ورفض الآخر والتخويف منه وإدّعاء حماية الأقليات. الجامع المشترك بينها، سواء في سوريا أو لبنان، هو ثقل الدم والسماجة. وأبشع ما فيها هذا التشاطر الغبي الذي يحسب صاحبه أنّه ملك البروباغندا. يحضّر للداخل عدّة شغل ملطخة، ويتأنّق في مخاطبة الخارج بأدوات لغوية “sophisticated”، يحسب أنّها تلبّي الشروط الأجنبية.
وكما يصوِّر النظام الأسدي نفسه بريئاً من “الحرب الظالمة” التي استحضر لأجلها كلّ القساة لخوضها عنه بهدف حماية نفسه وإبادة من لم ينزح أو يتهجّر، كذلك يفعل طرابين الحبق عندنا.
فـ”الأسلحة الكيماوية” و”البراميل” لا تختلف عن المشاركة في جريمة تخزين “نيترات الأمونيوم”، بالصمت والتواطؤ. وعرقلة تأليف الحكومات ما لم تكن لتوسيع النفوذ حنكة لا تشكو من علَّة. والتفنّن في الفساد وصولاً الى إفلاس البلد وتجويع الشعب لتهجيره، له أولويته على قائمة الإبداع.
فالنماذج الأسدية المحمية من رأس المِحور الإقليمي، تنفّذ في سوريا ولبنان الاستراتيجية ذاتها. الهدف واحد وهو التخلّص من أكبر نسبة من المواطنين في الدولتين الشقيقتين.
وكلّ من لا يجد سبيلاً إلا البحث عن وطن بديل لأسباب دنيوية سخيفة تتعلّق بمستقبله ومستقبل أولاده، هو ناكر للجميل.
وبالطبع، لا يستحقّ البقاء في ربوع الوطن ليحظى بنعمة “الكرامة والأمان” التي يجيدها معتنقو المذهب الأسدي، من يبيع نفسه مقابل الحصول على أدنى الحقوق الإنسانية والإجتماعية في بلاد الكفار والمُتصهينين وعبيد الشيطان الأكبر.