IMLebanon

هرٌّ على شاكلة أسد

 

يعود اسم لبنان إلى ملحمة “جلجامش” حيث ذكر أول مرة بالخط المسماري بأوائل القرن التاسع عشر قبل المسيح. والمعلوم أن “جلجامش” قام برحلة إلى غابة الأرز في جبل لبنان، وعندما قتل صديقه ومرافقه اهتز لبنان لموتهما.

 

 

وكأن اللعنة أصابت استقرار هذا البلد منذ ذاك الحين، فالأطماع به لا تنحصر من إمبراطوريات أو جمهوريات قريبة أو بعيدة. فعلى مرّ الزمان ولبنان هو القلب الخافق لكل محتل إذ يحلو بنظر طامعيه لينقضوا عليه لكن سرعان ما يندحرون ويزولون ويبقى لبنان.

 

 

 

لا نغالي إذا قلنا إن نظام الأسد المخلوع هو آخر المحتلين الذين أُخرجوا من لبنان عسكرياً، فهذا النظام الذي عاث فساداً في المؤسسات وصنع من الدمى مسؤولين، ومن المتموّلين حكاماً وأصحاب شأن سياسي لا يستحقون مراكزهم لأنهم غير مؤهلين لها.

 

 

ذاك النظام الذي جعل من المتملّقين رؤساء دون أن يتمتّعوا بالأهلية لإدارة الدولة أو بالصفات المفروضة لرجالات الدولة، هذا فضلاً عن التنكيل بالدستور وبالقوانين المرعية الإجراء حيث عاش اللبنانيون بظل شريعة الغاب حيث القوي أي المستزلم لدى السوري هو من يفرض رأيه لأن له فائض قوة وله القدرة على خرق القوانين وتحريفها واستخدامها لمصلحته على حساب الآخرين المؤمنين بالدولة وبقوانينها المدافعين عن الوطن وعن كرامته وعرضه.

 

 

تعمّد النظام الساقط في سوريا ضرب مفهوم التوازن في لبنان لتبقى له الكلمة الفصل ويكون هو المرجع لمن أولاهم السلطة.

 

في حين أن التوازن الحقيقي في مشروع بناء الدولة اللبنانية يجب أن يكون توازناً روحياً وليس عددياً، توازناً بين الديانتين المسيحية والإسلامية وبين حضارتيهما، وإن أي إخلال بهذا التوازن هو إخلال بالديمقراطية المنصوص عنها بالفقرة “ج” من مقدمة الدستور.

 

 

اندحر النظام السوري وبقي أنصاره في لبنان ميتَّمين، تائهين، غير مصدّقين سرعة سقوطه. تراودهم أسئلة لا أجوبة عنها اليوم لا سيّما حول مستقبلهم السياسي وطريقة التعامل مع المرحلة المقبلة.

 

 

وعليه يتوجب على هؤلاء العودة إلى وطنهم الأمّ، إلى لبنان، إلى المصلحة اللبنانية، إلى القومية اللبنانية، إلى تغليب مصلحة لبنان على أي مصلحة أخرى مهما كانت حتى ولو على حساب مصلحتهم الشخصية، أو على حساب شعارات تبيّن بالممارسات أنها مجرد وهم لا قوّة على تحقيقها. عليهم ألّا يخافوا من العودة إلى لبنانيتهم لأن هروبهم إلى الأمام سيزيد الوضع تعقيداً وسوءاً عليهم. بالمقابل لا يجب أن يشعر أي أحد في لبنان أنه منهزم أو منكسر، ولا يجب أيضاً أن نُغلّب أفكاراً إيديولوجية دينية أو قومية غير لبنانية لا تتماهى والتركيبة اللبنانية لأن بذلك انتحاراً جماعياً وإقصاء من الفسيفساء اللبنانية العظيمة.

 

 

صفقات تُكتب تفاصيلها بحبر دم الأبرياء وشرق أوسط جديد يُرسم على وقع البارود والنار، والتسويات يُقبل بها على وقع النكسات والهزائم التي كان من الممكن تفاديها لولا سوء التقدير والمغالاة.

 

بالخلاصة، سعى نظام الأسد المخلوع وبعض المجموعات الموالية له أن توهم شعوبها ومناصريها أنها من تحميهم من إسرائيل لا بل إنها ستعمد إلى إزالتها من الوجود، غير أن ساعة الحقيقة تبيّن أن هؤلاء احتموا بشعوبهم في محاولة لإنقاذ أنفسهم، وتبيّن أن الأسد لا يتعدى كونه هرّاً على شاكلة أسد.

 

 

 

آن الأوان ليكون للبنان رجالات دولة، رجالات فكر، رجالات رأي، رجالات يُغلّبون المصلحة اللبنانية على مصالحهم الشخصية.

 

آن الأوان ليكون للبنان رئيس وحكومة تراعي مصلحة أبنائه.

 

آن الأوان ليكون للبنان رئيس يجلس على طاولة لعبة الأمم ويكون فيها لاعباً فاعلاً وليس مفعولاً به وبالوطن.