تقليص «عُمر» مطمر برج حمّود إلى سنة كحدّ أقصى هو الحل «التوافقي» الأبرز المطروح حالياً ضمن المُفاوضات الجارية، يأتي هذا الطرح كمُقابل للتراجع عن إقفال طريق مركز تخزين النفايات في برج حمّود. ومن المُقرّر أن يُعلن رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل اليوم موقفه من ذلك، بعد لقاء يعقده مع عدد من بلديات المتن وكسروان. في هذا الوقت، عادت النفايات لتتخزّن في موقع الكرنتينا «الشهير». جزء من هذه النفايات هو نفايات طبية مُعالَجة كانت مهددة، أمس، بالتراكم في حرم المُستشفيات
صُنِّفت بيروت كثانية أكثر المدن في العالم تلوّثاً، بحسب مؤشر التلوث لمنتصف عام 2016. قبل سنة، كانت بيروت تحتل المركز 28 (مؤشر التلوث لمنتصف عام 2015)، قبل أن تُصبح عند أول العام الجاري في المرتبة الـ 11، لترتفع رُتبة تلوثها بعد مُضيّ أشهر من عمر أزمة النفايات الى المرتبة الثانية، تسبُقها أكرا (غانا) وتلحقها القاهرة (مصر).
قبل سنة، كانت النفايات تجتاح شوارع بيروت وعدداً من الأقضية في جبل لبنان، وكان الحرق العبثي يمتد من العاصمة الى البلدات والقرى في مختلف المناطق، كذلك انتشرت المكبات العشوائية، التي استحدثتها البلديات. وفيما كان الرهان على خطة بيئية وصحّية تُقرّها الحكومة على مدى سنة، تدفع عن الناس خطر السموم، أُقرّت خطة، حافظت على الوضع المأزوم وضاعفت تداعياته ومخاطره.
أول من أمس، أعلنت شركة “سوكلين” أنها ستقوم بركن نفايات بيروت والنفايات الطبية المعالجة في موقع الكرنتينا التابع لبلدية بيروت، ما يعني عودة “مكب” الكرنتينا الذي لم يمضِ على تخلّصه من النفايات المكدّسة فيه أكثر من ستة أشهر. أوضحت “سوكلين”، كذلك، أنها لم تُبلّغ جمعية “آرك أون سيال”، المُكلّفة تعقيم النفايات الطبية التي تحمل خطر العدوى، التوقف عن نقل النفايات الطبية المُعالجة ابتداءً من الاثنين (أمس)، “إنما ستُخفّف وتيرة الجمع بسبب الأزمة المُستجدة”. وأضافت في بيانها: “أمّا الآن، وبعدما أمّنَت بلدية بيروت أرض الكرنتينا التابعة لها، ستقوم الشركة بنقل النفايات الطبية المعالجة ونفايات بيروت الى الموقع المذكور، وذلك وفقاً للتعليمات الصادرة عن مجلس الإنماء والإعمار والسلطات المعنية”. من جهته، يقول مسؤول البرنامج البيئي في جمعية “آرك أون سيال” ماريو غريب إن “سوكلين مرّت اليوم (أمس) ونقلت النفايات الطبية المُعقمة والمجمعة لدينا، وذلك بعدما تواصلنا مع الجهات المعنية”.
مفاوضات وطروحات
تأتي العودة الى موقع الكرنتينا على خلفية إقفال الطريق المؤدي الى التخزين المؤقت في موقع مطمر برج حمّود منذ نحو أسبوعين، وبالتالي تعذّر ركن النفايات التي تخلفها منطقة بيروت وبعض الأقضية المحيطة المشمولة بعقد النقل المخصص لمطمر برج حمود. في هذا الوقت، لا تزال النفايات في المتن وكسروان في الشوارع بانتظار التوافق السياسي حول كيفية استكمال خطة وزير الزراعة أكرم شهيّب.
تضع «سوكلين» كميات من النفايات والردم أكبر من المُتفق عليها في موقع الكوستا برافا
أمس، اجتمع كل من وزير الزراعة أكرم شهيّب وأمين سرّ “تكتل التغيير والإصلاح”، رئيس لجنة المال والموازنة النيابية، النائب ابراهيم كنعان للبحث في أزمة النفايات. خُلاصة الاجتماع كانت، مُجدّداً، رمي الكرة في ملعب “الكتائب” بعد التوصل الى طروحات محددة في المُفاوضات، من المُفترض أن ترضي حزب الكتائب المعترض على طمر النفايات وردم البحر في برج حمّود. يتوقع كنعان في اتصال مع “الأخبار” أن تنتهي الأزمة في الأيام المُقبلة، لافتاً الى التوصل الى حلول تُرضي جميع الأطراف. هذه الحلول، بحسب كنعان، هي “عُصارة” الجهود التي بُذلت في جلسات لجنة المال والموازنة. في تصريح إلى “المركزية”، قال وزير الاقتصاد آلان حكيم، إنه تم التوصل الى أربع نقاط مع “التيار الوطني الحُرّ”. أولى هذه النقاط: وضع مهلة معينة (بين 8 و12 شهراً) تخزن خلالها النفايات في المواقع المعروفة راهناً. ثانياً، أن يحصل التخزين بإشراف لجنة بيئية وصحية تضم تقنيين وجمعيات أهلية، على أن تشهد هذه الفترة تحسين إمكانات معامل الفرز وتشجيع البلدات ومساعدتها على الفرز. أما النقطة الثالثة فهي مُتعلّقة بالمرحلة المستدامة القائمة على اللامركزية، فيما النقطة الرابعة تتعلّق بتحرير أموال البلديات من الصندوق البلدي المُستقلّ. سُئل حكيم عن إمكانية فك الاعتصام، فأجاب: “صحيح أننا ذاهبون حتى النهاية، غير أن من الممكن التوصل إلى حل إن اعتمدت النقاط الأربع الآنفة الذكر، وعندها نفك الاعتصام لأننا لسنا طلاب تعطيل وإقفال مطامر، ولأننا نفذناه من أجل الناس”.
يردّ شهيب على هذا الأمر بالقول إن جميع النقاط المذكورة نصّ عليها القرار الوزاري، لافتاً الى أن الكرة لطالما كانت بملعب الحزب الذي افتعل أزمة. ويلفت شهيّب الى أن من المُقرّر أن يجتمع رئيس الحزب النائب سامي الجميّل برؤساء عدد من البلديات للبحث في الأزمة اليوم، متوقعاً أن يُوافق الجميّل على الاتفاق وملمحاً الى الضغط الذي يُمارسه نواب المتن من أجل إزالة النفايات من الطرقات.
دور شركات النفط
إزالة النفايات من شوارع المتن وكسروان ستبقى منوطة بإعادة فتح مطمر برج حمّود. يقول المتعهّد داني خوري صاحب شركة “خوري للمقاولات” المتعهدة تلزيم أعمال معالجة جبل النفايات وإنشاء المطمر في برج حمود ــ الجديدة إن الأعمال متوقفة حالياً “بانتظار ما ستؤول إليه جلسات لجنة المال والموازنة النيابية”.
وكانت الشركة قد شقّت الطريق المؤدي الى مطمر برج حمّود وباشرت أعمال التجهيز، “وما إن هممنا ببدء شق الطريق المؤدي الى البحر في منطقة الجديدة، حتى جوبهنا باعتراضات أدّت الى عرقلة أعمالنا”، على حدّ تعبير خوري. هذا الأمر يُعيد طرح النقاش حول تحريك شركات النفط المُتضرّرة من أعمال الردم والطمر في منطقة الجديدة، للحركات الاعتراضية والاحتجاجية. تقنياً، يشرح خوري أن الأعمال في المطمر هناك ستؤدي حُكماً الى تغيير مسار الأنابيب التي تستخدمها شركات النفط، لافتاً الى أن هذه الأمور التقنية تحصل بشكل مُعتاد وأنها لن تؤثر على أعمال شركات النفط، “لكنّ الأخيرة لا تريد أن تتكلّف وتُفضّل عرقلة الخطط، على أن تدفع تكاليف تغيير الأنابيب”. بحسب مصدر مُطّلع، فإنه يوجد نحو 6 إلى 7 أنابيب تشغل الأملاك العامة البحرية في المنطقة، مُشيراً الى أن كلفة تغيير الأنبوب الواحد تراوح بين مليون ومليوني دولار. تقول مصادر مُقرّبة من الوزير شهيب إن الحملات الإعلانية التي قام بها حزب الكتائب “مُوّلت من قبل شركات النفط”، لافتةً الى أن الدافع وراء الاعتراضات هو حفظ مصلحة هذه الشركات.
مصير الكوستا برافا
إذا كان “تقصير عُمر” مطمر برج حمود من 4 سنوات الى سنة هو الحلّ “البيئي” والصحي الذي سيُزيل النفايات من الشوارع، فماذا عن مطمر الكوستا برافا؟ يُجيب كنعان: “لننهِ موضوع برج حمّود أولاً”.
في اتصال مع “الأخبار”، يقول صاحب شركة “الجهاد للتجارة والمقاولات” جهاد العرب إنه يجري حالياً طمر النفايات المُنتجة يومياً في الخلية الأولى للطمر والمُقدرة بنحو 1200 طن (200 طن من بيروت و1000 طن من الضاحية)، “أما النفايات المُكدسة منذ أشهر والمُقرر طمرها في الخلية الثانية والثالثة، فهي بانتظار صدور قرار من مجلس الإنماء والإعمار يحوي توجيهات تفصيلية”.
اللافت هو ما يُشير إليه العرب وهو أن شركة “سوكلين” تضع كميات من النفايات والردم أكبر من المُتفق عليها بحجة “الركن المؤقت”، وهو ما يُقلّص القدرة الاستيعابية للمطمر المُقرّ على مدى أربع سنوات.
الفرز والمعالجة: وداعاً «سوكلين»
لم تُباشر الشركة بعد أعمال الفرز والمعالجة، فهي بانتظار تجهيز العقود من قبل مجلس الإنماء والإعمار. يكتفي المقاول جهاد العرب بالتعليق على المناقصة بالقول: الأسعار المقدمة من قبل الشركة أقل بنسبة 55% من الأسعار التي كانت تتقاضاها “سوكلين”.
أمس، صرّح رئيس اتحاد بلديات كسروان ورئيس بلدية جونية جوان حبيش، بأن كسروان “ستنضم الى بيت مري وبكفيا بالعمل بمعمل الفرز الخاص بعد ستة أشهر على أبعد تقدير، (…) وإلى حين جاهزية المعمل، فليعطنا مالنا من الصندوق البلدي المُستقلّ ونحن نتدبّر أمورنا”.
إذا حذت بعض الأقضية حذو جونية وكسروان من ناحية الإدارة اللامركزية، فهل ستُقدم بلدية بيروت بدورها على الانسحاب من الخطة المركزية وتستقل في إدارتها لنفاياتها؟
مصادر البلدية تقول إنه حالياً “لا خطة يجري العمل عليها”، لافتة الى أن البلدية دخلت ضمن الخطة المركزية لمدة أربع سنوات، ولافتةً الى أن الأمر مقتصر على طلب البلدية الموجود لدى مجلس الوزراء القاضي بالانفصال عن الخطة الحكومية. هل هناك احتمال أن تنفصل بيروت عن الخطة في حال موافقة مجلس الوزراء على الطلب؟ تستبعد المصادر هذا الخيار، وتلفت الى أن المجلس البلدي لم يبحث في خيار كهذا بعد.
الاستعداد لموسم المطر
على أثر المعلومات الواردة من مصلحة الأرصاد الجوية عن احتمال تساقط الأمطار في الأيام المقبلة، أوعز وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور الى جميع أطباء الأقضية للتنسيق مع جميع البلديات لإخلاء الشوارع من النفايات المتراكمة، إما من خلال طمرها أو تغليفها في أكياس محكمة الإغلاق حسب القرار الصادر سابقاً عن وزارة الصحة حول كيفية التعامل مع النفايات وذلك لتجنب انتشارها عشوائياً مع الأمطار الجارية.