المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في شرم الشيخ نهاية الأسبوع المنصرم، حقّق إنجازاً مهمّاً على صعيد مساعدة مصر للنهوض من عثرتها الاقتصادية المزمنة والدخول في عالم الاستقرار النقدي والتنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة، وكان لافتاً المساعدات الشخصية التي تلقتها مصر من المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى تجاوزت حدود الإثنتي عشر مليار دولار أميركي تضاف إلى مساعدات سابقة للدول الخليجية نفسها تجاوزت هذه الحدود.
المؤتمر الاقتصادي رغم نجاحه المميّز في دعم مصر، إلا أنه لم يستطع أن يقدّم لها كل ما تحتاجه من مساعدات مالية واستثمارية تحقّق لها تقدّماً واستقراراً مالياً ونهضة ترفع مستوى دخل الفرد في هذه الجمهورية العربية الأكبر بين الدول العربية، لكن ما قدّمه يشكل نقطلة نوعية يمكن الاستناد إليها لتحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي في السنوات المقبلة حيث يصل تعداد سكان مصر الى المائة مليون مواطن، فضلاً عن أهميتها في استعادة مصر لدورها القيادي في المنطقة العربية الذي خسرته بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر واتفاق كمب ديفيد الذي حجّم مصر وإن لم يبعدها نهائياً عن العالم العربي وقضيته المركزية فلسطين.
المراقبون لمجريات التطورات التي تعيشها المنطقة منذ سقوط صدام حسين والدخول الأميركي إلى العراق وما جرى بعد ذلك في البلدان العربية تحت عنوان ثورة الربيع، وما هو قائم حالياً بالنسبة إلى التوسع الإيراني في عدد من الدول العربية كاليمن والعراق وسوريا ولبنان قد فرضت نفسها على الواقع العربي من أجل إعادة صياغة تفاهمات عربية لمواجهة التحدي الفارسي الجديد من جهة وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العربي من جهة ثانية وذلك بعودة الدول العربية إلى التعاون فيما بينها بدل الانقسام القائم حالياً وقيام جبهة عربية جديدة لمواجهة التمدّد الإيراني وغضّ الطرف الأميركي على أمل أن تقود مصر السيسي هذه العملية بحكم أن مصر هي أكبر الدول العربية والمؤهلة تاريخياً لقيادة العالم العربي كما حصل في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وإذا كان بعض المفكرين يستبعد عودة قريبة لمصر إلى قيادة العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الإمبراطورية الفارسية والتحديات الإسرائيلية نظراً لاستمرار ارتباطها باتفاقية كمب ديفيد من جهة، ولوضعها الاقتصادي البالغ الصعوبة رغم المساعدات السخية الأخيرة التي تلقتها فإن رهان الشعوب العربية سيستمر على مصر بالتعاون مع المملكة العربية السعودية لمواجهة كل هذه التحديات بمعزل عن إتفاقية كمب ديفيد وعن غيرها من الأمور الداخلية.