Site icon IMLebanon

عودة «الدب الروسي» رغم جروحه الاقتصادية

 

من المؤكد أنّ الرئيس فلاديمير بوتين خطف الأنظار الاسبوع الماضي خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة- ومن المؤكد ايضاً أنّ نظرة العالم إلى روسيا باتت متغيرة كون بوتين كان صارماً في حديثه مبرِّراً تدخّله في سوريا ملقياً اللوم على الولايات المتحدة لعدم تمكنها من كبح جماح الأزمة السورية.

يبدو أنّ الكرملين، ومن خلال ما جرى في السنوات السابقة قوي وناشط، ويرفض التراجع في اوكرانيا وقد ضمّ شبه جزيرة القرم رغم استمرار الصعوبات الاقتصادية وتدنّي أسعار النفط وهو شريان الحياة الاقتصادية لموسكو،

ورغم ارتفاع مستويات التضخم وتراجع الروبل ٤٤ بالمئة مقابل الدولار الاميركي. لذلك نرى الأمور متعاكسة: بوتين قوي في الخارج واقتصاد بلاده يتراجع في الداخل والشركات الروسية والحكومات الاقليمية عالقة ببلايين الدولارات من الديون- ومشكلات روسيا الاقتصادية كبيرة وتتخطّى الامور السياسة رغم أنّ بوتين يعتمد على ما يقدر بمبلغ ٣٦٦ بليون دولار من الاحتياطي المالي- هذا مع العلم أنّ الشركات الروسية ليست وحدها تشعر بالضيق إنما الحكومات الاقليمية كذلك،

وإعلان بوتين في العام ٢٠١٢ لما يسمى «May orders» ساعد على تحسين شعبيته اكثر من تحقيقه للمبادئ التوجيهية في الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وتحسين برامج الخدمات الاجتماعية. هذه الامور تلقي بثقلها على الاقتصاد الروسي وعلى قاعدة بوتين الشعبية لا سيما وحسب تقرير Credit Suisse فإنّ حوالى ١١٠ اشخاص روسيين يملكون ٣٥ بالمئة من الثروة في بلادٍ عددُ سكانها يتجاوز الـ ١٤٢ مليون شخص.

هذا والسياسة الخارجية الروسية ذات ردود فعل مترابطة لا سيما حماية روسيا لجيرانها وأسوأ الاشياء هو البحث عن مكان آخر لهكذا حماية.

هذا وخلال خطاب متلفز عبر الهاتف في ١٦ نيسان عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضعية بلاده الاقتصادية متفائلاً بما آلت اليه الامور قائلاً إنّ اقتصاد البلاد يمكنه أن يعود الى النموّ في أقلّ من عامين رغم العقوبات الاقتصادية الغربية.

وهذه النظرة التفاؤلية يشاركه فيها نائب وزير المالية الذي يعتقد أنّ الاقتصاد سوف ينمو بنسبٍ تراوح بين ١،٥ و ٢،٥ في المئة في العام ٢٠١٦ مؤشر داو جونز – ولا تشاركهم الرأيَ هذا المؤسسات الدولية ولا سيما منها البنك الدولي الذي يتوقع أن يشهد الاقتصاد الروسي نموّاً بنسبة ٠،٣ بالمئة في العام ٢٠١٦ بينما البنك المركزي الروسي يتوقع انكماش الاقتصاد بنسبة ١،٠-١،٦ بالمئة في العام ٢٠١٦ حسبما ذكرت صحيفة موسكو تايمز.

أضف الى ذلك ضعف اسواق التجزئة وسوق العقارات في موسكو وهي علامات أخرى على أنّ الاقتصاد لن تكون صورته وردية كما يراها بوتين. كذلك جاءت توقعات مؤسسات التصنيف العالمية S & P و Moody’s والتي ركزت على القروض المعدومة والتي سوف ترتفع في البنوك الروسية الى ١٥ بالمئة من اجمالي القروض بنهاية عام ٢٠١٥ كذلك كون توقعات التضخم والتي وحسبهم سوف تظلّ اعلى من ١٥ بالمئة يمكنها أن «تعوق احتمالات النموّ في روسيا».

وتبقى العوامل الخارجية والتي هي بالواقع خارجة عن السيطرة الفعلية مثل استقرار اسعار النفط ونسب الاستثمار الخارجي وازمة المصارف الروسية التي بدأت تعاني من تدفّق الاموال خارجها والعقوبات المفروضة من اوروبا واميركا على روسيا.

لذلك وعلى ما يبدو هذه الخطوة سياسية بحتة وهي محاولة روسية يقوم بها بوتين من أجل إعادة وجوده على الساحة الدولية ومكانته في نادي الدول الكبرى رغم علمه علم اليقين أنّ اقتصادَ روسيا في مرحلة حرجة.

وبوتين يعاني ليس فقط من ألم الجزاءات كذلك من الوضع الصيني المتباطئ والذي زاد من صعوبة بكين في تنفيذ الوعود التي قطعتها لروسيا وانخفض حجم التجارة الثنائية بمقدار الثلث قي العام ٢٠١٥ وانخفضت الأستثمارات الصينية في روسيا بنسبة ٢٥ بالمئة.

هذا وانخفاض النفط والعقوبات ليست الامور الوحيدة حسب صندوق النقد ابدولي والذي يقول إنّ روسيا تحتاج الى رزمة اصلاحات جديدة اذا ما كانت تريد العودة الى النمو؛ لذلك قد يكون موقف بوتين في اجتماع الجمعية العمومية موقفاً صلباً لفت الانظار وروسيا قادرة على الولوج الى الازمة السورية ولعب لعبة شطرنج وقد تكون وعلى الارجح رابحة للاعب الروسي والسوري معاً إنما هي امور تتطلب وقتاً ودعماً سياسياً دولياً عليه أن يتخطّى واقعَ العقوبات المفروضة عليها حالياً؛

وخبرات العالم العسكرية مع روسيا لا تزال حية لا سيما عدم تراجع بوتين في أوكرانيا حيث ضمّ شبه جزيرة القرم من دون أن يأبه بما سوف يتأتى عن ذلك دولياً وقد ينطبق ذلك على سوريا وما سيتأتّى عنها من امور جيوبوليتيكية تعيد مسار اللعبة وتأكد الوجود الروسي في المنطقة بعد طول غياب.

واذا ما كانت سوريا تعوّل على الوجود الروسي هذا لإنهاء ازمتها انما لا يمكن وبمطلق الاحوال أن تعوّل على روسيا في إعادة اعمار ما هدمته سنوات الحرب ما يعني أنّ روسيا بحاجة لدعم دولي اميركي اوروبي والمؤسسات الدولية المانحة من اجل انهاء اجندة عمل وضعت خطوطها العسكرية العريضة وتبقى امورها الاقتصادية للمانح الدولي.

هذا هو المنحى الاقتصادي و نتركه لفترة لاحقة لا سيما وأنّ المشهد الحربي ما زال في بدايته وما عجزت عنه روسيا منذ الحرب العالمية الثانية وهو أن يصبح لديها قاعدة حربية في منطقة الشرق الاوسط نرى بوتين اليوم في طريق تحقيقه.

واذا ما كانت اميركا تخشى هي وحلفاؤها من أن تكون الضربات الروسية موجهة ضدّ اعداء النظام إلّا أنّ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف دافع عن ضربات بلاده الجدّية قائلاً «إنها استهدفت» جماعات ارهابية كالتي استهدفتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

قد يكون هذا هو مفتاح استراتيجية روسيا حالياً وهوالعودةً الى الساحة الدولية وتحقيق ما منعتها اميركا من تحقيقة منذ الحرب العالمية الثانية وقد لا يكون بالتالي وبالتحديد توطيداً لنظام الاسد بقدر ما يكون ضماناً لحلفائها أن يكونوا عاملاً في التسوية الدولية المقبلة.

وللحقّ إذا صحّ ذلك تكون روسيا حققت ما عجزت عنه اميركا في افغانستان والعراق وغيرها، ويكون عاد «الدب الروسي» الى المنطقة قوياً رغم جروحه الاقتصادية الداخلية العابرة.

هذا هو الواقع الحالي وهذا ما نعلمه عن الـModus operandi لبوتين وهو التركيز على نقاط الضعف في سياسات العالم الغربي واستغلالها بدهاء لمصالحه والبترول أولها.