جيد ان يعود الكلام على التكامل العربي (مؤتمر الصخيرات المغربية) في زمن تفتيت المجزأ في هذه المنطقة، لكأن الداعين الى هذا البحث استنتجوا ان لا راد لتدفق الهويات الجزئية، من مذهبية ودينية وعرقية وجهوية، سوى الهوية الجامعة، التي سمحت في القرن الأسبق بأن يطالب مسيحيو ومسلمو لبنان وسوريا بالأمير عبد القادر الجزائري والياً عليهم بعد دوره الكبير في نجاة عدد كبير من المسيحيين من حرب 1860 الطائفية.
لكأن القائمين على المؤتمر يدلّون، ايضاً، الى المخرج الوحيد من مأزق هوية المنطقة، بعدما تآمر الجميع عليها، من انظمة “شرعية الإنقلاب” الى دول “شرعية العائلة”، وصولاً الى الدول المجاورة الطامحة الى ادوار امبراطورية بائدة، أو مواقع محورية اقليمية. وساهمت في ذلك مشاريع الوحدة الفاشلة والانتهازية، التي عملت، بخواء شعاراتها، واتفاقاتها، على هدم الرابط التاريخي والجغرافي واللغوي والثقافي.
لم تكن ولادة أي وحدة، إلا لإشغال الرأي العام عن أزمات تنخر بنيان دولها، كالوحدة الليبية – السورية أواخر العام 1981، حين بحث القذافي عن “عروبة” تحميه من الداعين الى “تلييب” ليبيا، واحتاج حافظ الأسد الى”عروبة” تحجم خصومه (الإخوان المسلمين)، أو الخروج من مأزق تصعيد غير محسوب ضد اسرائيل، كحال الوحدة التي طلبها حكام سوريا، أيامها، مع مصر عبد الناصر منتصف العام 1958.
لم يعش اي من “الوحدات” العربية أكثر من أشهر، ولم تسجل أي إنجاز، سوى الندم، ونافست، بسوء تطبيقها، خصومها، في سعيهم الى تسفيه الهوية العربية، التي أودت بها الوقائع الى قعر الذاكرة العامة.
الحالة الوحدوية الوحيدة “العلمية”، عرفها العرب عام 1956، يوم اطلقت جامعة الدول العربية فكرة السوق العربية المشتركة، ولم تزل تطبيقاتها، اليوم وبعد نصف قرن، جزئية وغير فاعلة.
ليست فكرة التكامل العربي مفاجئةً، تحديداً الاقتصادي منه. ما سيكون مفاجئاً هو نقله من طاولات التنظير الى واقع التطبيق، في ظروف أصعب من ظروف أوهام “الوحدات الفورية” التي لم تعمر. فالتكامل يتطلب استقراراً أمنياً واقتصادياً ومؤسسيا، وثبات القوانين، وضمان الحريات، وسيادة القانون، وسلطة الدولة. وكلها تفتقده دولنا العربية بوضوح.
حققت أوروبا، منذ العام 1950 اتفاق تكامل في “الحديد والصلب” بين 6 من دولها، استناداً الى المصالح، فأسكتت النزعات القومية، ووصلت الى “الاتحاد الأوروبي”، اليوم، بـ27 دولة.
التكامل العربي، إن طبق، يعطي الهوية العربية معنى جديدا، وواقعا عملانياً، وقد يحييها، ويُسكت الهويات التفتيتية، ويستعيد من وقعوا في مصيدة “الجاليات” الإقليمية.
قد تكون الصعوبات جمة، لكن البناء الانساني – الاجتماعي عصبه الاقتصاد، وليس السياسة.