لأنها حرب كونية بين ثقافة حياة وثقافة موت، كان لا بد للبناني المنحاز للأولى والمتعصّب للفرح الصاخب أن يكون حيث تزهر أيّامه ولياليه، وأن يدفع كما حال أمثاله من شعوب الأرض التواقة لليلة فرح أيديولوجيات سوداء باتت تفرّخ في الأرض، ليس عشبا أخضر ووروداً، إنما سكاكين وأشواك وأدوات موت بالجملة وشهداء وجرحى وحكايا رعب ودوس متنقلة.
ولأن الإرهاب بات مارداً أعمى، مسلسلاً أهدافه البشرية بحجم الخسائر الكبرى من الكنائس الى المساجد الى الملاهي الليلية، بزي «السانتا» أو «المهرج» أو رجل الأمن أو المواطن العادي، لا حول للدول الصغرى والكبرى سوى بالاتحاد والتكاتف في مواجهته، وهذه المرة باللباس الموحد لدولة قوية وفاعلة ومتماسكة، دولة مكتملة التجهيزات في المواسم الباردة كما في مواسم الحرائق والأزمات والمفاجآت وما أكثرها في الآونة الأخيرة، وقد ثبت أن البلد الذي تدارك بحكمة وواقعية حجم الأخطار الداهمة من حوله، عرف كيف ينجو على الأقل داخلياً من الانزلاق الى طوابير الموت وتوابيته، وكان أكثرها إيلاماً على لبنان قبل أشهر قليلة حين ضرب الارهاب بلدة القاع منكّلاً بالعائلات. وفي حينها كان البلد بلا ظهر أو عهدة رئيس أو مؤسسات قادرة على إدارة الكوارث، وكان البكاء أعلى من صوت الدولة ومواساتها.
لهذا، وعلى الرغم من الحزن الكبير على الشهداء الثلاثة والجرحى الذين تجرعوا رحلة العودة من تركيا الى الحياة بوابل الرصاص، مبارك لنا عهدا وحكومة في تجاوز صدمة الساعات الأولى من العام الجديد إلى الفعل والتكتيك واستثمار العلاقات الجيدة مع المحيط بما يخول الإحاطة المتقنة باللبنانيين الذين كانوا متواجدين في الملهى التركي «لارينا» منذ الحادثة الى توزعهم على المستشفيات ومن ثم إحصاء أعدادهم وإيفاد أهاليهم على متن طائرة حملت التجهيزات اللازمة ومعها اللجان الطبية والمعنيون.
وعلى الرغم من الوجع الذي فاجأ اللبناني، كما العربي والغربي، في الساعات الأولى من العام المرجو منه خيراً، مبارك للأجهزة الأمنية أنّها بعديدها وإمكاناتها المتواضعة وعينها الساهرة في عز المطر والصقيع، نجحت في تجنيب البلد هزات من مثل التي ضربت في تركيا.
ومبارك للبناني مواجهته محاولات «التدجين» في قوالب لا تمت للأديان بصلة، بالإصرار على عيش الحياة مع أنه يدرك بأن عين الارهابي وفوهة سلاحه مصوبة أولا وتحديدا على تلك الفئة التي تنادي بالأفراح وتنبذ الأتراح، ومع ذلك سهر اللبناني واحتفى معلناً: سنحاربهم بالحياة، بالدولة القوية، بالتضامن، بالتكاتف، وبالوحدة التي هي فوق الطائفة وتحت الوطن».