Site icon IMLebanon

أربع معارك في حرب الجمهورية

 

 

ليس في لبنان لعبة محليّة مغلقة على اللعبة الكبيرة التي تدور في المنطقة وعليها. ولا شيء بالصدفة. الشغور الرئاسي كان جزءاً من سياسات الهيمنة على لبنان وتجنيده في المحور الإيراني لخدمة المشروع الإقليمي للجمهورية الإسلامية. وملء الشغور كان جزءاً من سياسات العودة بالوطن الصغير إلى نفسه وتاريخه وعمقه العربي وانفتاحه الدولي. ولولا التحوّلات العاصفة التي حدثت في غزة ولبنان وسوريا وما صنعته من حقائق جيوسياسية في المنطقة ولا سيما بالنسبة إلى انحسار النفوذ الإيراني واندفاع الزخم العربي والأميركي والأوروبي، لما بدا الباب مفتوحاً أمام انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، بحيث انضمّ حتى “محور الممانعة” إلى الأكثرية التي صوتت له. لا بل إن التحولات قادت أيضاً إلى تحقيق واحد من أحلام التغيير والتقدم المقموعة: تصويت أكثرية وازنة من النواب في “الاستشارات الملزمة” للقاضي الدولي نواف سلام بحيث سمّاه الرئيس عون رئيس الحكومة المكلف. ولا أحد يجهل أن الخيارات كانت في اتجاه آخر، وكان ينقص “الثنائي الشيعي” البكاء على خسارة نجيب ميقاتي. وهكذا ربح لبنان معركتين وبقيت أمامه معركتان في حرب “خطاب القسم”. الأولى هي تسلّم العماد عون الرئاسة. الثانية هي إكمال دوره برئيس حكومة إصلاحي شفاف ونزيه غير تقليدي ولا علاقة له بالمافيا السياسية والمالية والمليشيوية التي تحكمت بالبلد والناس. والثالثة هي نوعية الحكومة التي يجب تأليفها. والرابعة هي حرب الإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي، وحرب “احتكار الدولة لحمل السلاح”، وحرب إخراج إسرائيل من الجنوب واستعادة السيادة وقرار الحرب والسلم.

 

 

 

والطريق صار مفتوحاً. رئيس جمهورية تغييري. رئيس حكومة تغييري. ولبنان ينتقل من فرصة مغلقة وخطر مفتوح حتى على الوجود، إلى نافذة فرصة واسعة فتحها خطاب القسم. لكن الخطر لم ينتهِ. فما تغيّر هو الظروف وعودة الأمل إلى الناس بعد يأس طويل ووصول الواعد بتحقيق العهود إلى رئاسة الدولة. وما لم يتغيّر هو التركيبة السياسية المتجذرة في الممارسات الفئوية والشخصية والدرجة العليا من الفساد.

 

 

 

لكن العودة إلى الدستور بعد تعطيله هي بداية التسليم بنهاية الهيمنة وقبول الشراكة الفعلية بين مكوّنات الوطن. بداية القطع مع سياسات التخلّي عن الجمهورية من أجل الرئاسة، وبدء توظيف الرئاسة في إعادة المكانة والدور إلى الجمهورية. بداية الخروج على الشعار الذي أريد له أن يسود أيام الوصاية الموروثة والقائل إن “محور المقاومة” هو الثابت، ولبنان هو المتغيّر، لتكريس الواقع الجديد حيث لبنان هو الثابت وكل شيء آخر متغيّر. وهذه البدايات تحتاج، مع الرئيس عون ورئيس الحكومة سلام، إلى “حكومة مهمة” إصلاحية، وكتلة شعبية تاريخية تخوض معارك التغيير.

 

 

 

يقول والي نصر وراي تقية في مقال نشرته “فورين أفيرز” إن “ما يقرر مصير الشرق الأوسط ليس قضية فلسطين بل مصير الدول الفاشلة في العراق ولبنان وأفغانستان، حيث التوسّع المذهل للنفوذ الإيراني”. لكن النفوذ الإيراني في ورطة وانحسار. ولبنان قادر على الخروج من لائحة الدول الفاشلة بمساعدة أهله والمسؤولين الجدد والأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين.