العودة إلى المؤتمر التأسيسي تعجّل في عودة الإشتباك السياسي
وتطوّرات الوضع في المنطقة تعقّد إنتخاب رئيس الجمهورية في المستقبل المنظور
التزامن بين طرح المؤتمر التأسيسي والسلّة الواحدة جاء في أعقاب وصول كل الأطراف إلى طريق مسدود في شأن الإنتخابات الرئاسية..
التعقيدات السياسية والستاتيكو السلبي اللذان يحكمان المشهد اللبناني حالياً يشكلان أرضية لفتح ملفات كانت لفترة طويلة مغيّبة لأسباب لا علاقة لها بالوضع الداخلي وتعقيداته بقدر ما هي مرتبطة بالتطورات التي يشهدها الإقليم بدءاً بسوريا وامتداداً منها إلى اليمن وليبيا والعراق وكل الدول العربية تقريباً، وكانت البداية المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان وطرح فيه مسألة المؤتمر التأسيسي الذي سبق لحزب الله أن طرحه عبر أمينه العام السيّد حسن نصر الله ثم تراجع عنه في الفترة القريبة الماضية وذهب إلى حدّ التغني باتفاق الطائف والتأكيد على التزام الحزب به، وعدم التفكير بأي بديل عنه.
والملفت للمراقبين أن طرح النائب أرسلان للمؤتمر التأسيسي تزامن إلى حدّ بعيد مع طرح الرئيس برّي للسلّة الواحدة، وعلى خلفية الجمع بين قانون الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية، وهذا التزامن بين طرح المؤتمر التأسيسي من قِبَل حليف حزب الله والسلّة الواحدة من قِبَل الحليف الحليف جاء في أعقاب وصول كل الأطراف إلى طريق مسدود في شأن الانتخابات الرئاسية، نتيجة تمسّك حزب الله ومعه التيار الوطني الحر بمقاطعة جلسات الانتخاب بذريعة أن الجلسة تُعقد في حال أقرّ الجميع بوجوب انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية كونه الأكثر تمثيلاً شعبياً ونيابياً ولا يمكن ولا يجوز تحت أي ظرف إنتخاب غيره رئيساً للجمهورية لا يتمتّع بالحيثية الشعبية نفسها.
ويرى المراقبون أنفسهم أن كل هذه الظروف قد تشكّل الفرصة الأنسب لكي يفرض حزب الله شروطه وينتزع مكاسب تُعزّز موقعه في اللعبة السياسية الداخلية لا سيّما إذا استمرت الأزمة الداخلية في الاستفحال واستمر الوضع في الإقليم على حاله بعدما انخفض منسوب الرهان على نجاح إتفاق الهدنة بين الروس والأميركيين والذي يعززه أمران، الأول إقدام النظام السوري لأول مرّة منذ زمن طويل على إطلاق صاروخين في اتجاه الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحلق في الأجواء السورية، والأمر الثاني كلامه عن إصرار النظام على متابعة العمل للقضاء على الإرهاب في كل أنحاء سوريا، يضاف إلى عدم وضوح الموقف الأميركي بالشكل المطلوب من اتفاق الهدنة حيث كان هناك اتفاق مع الجانب الروسي على أن يتولى الجانب الأميركي إذاعة نص الاتفاق إلا أنه ولأسباب لا تزال مجهولة يتجاهل إذاعته، الأمر الذي يترك بدوره شكوكاً حول طبيعة هذا الاتفاق، وما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تعوّل عليه وبالأحرى تبني عليه لتحديد موعد جديد لعقد مؤتمر جنيف بين النظام والمعارضة.
وكانت ترددت معلومات عن أن اتفاق الهدنة المعلن لا يتضمن أي نص بشأن وقف تحليق طيران النظام والطيران الروسي فوق الأراضي السورية، كذلك لا يتضمن أي نص يتعلق بمصير الرئيس الأسد.
ويميل هؤلاء المراقبون إلى أن حزب الله ما زال يضمر ذات الأهداف التي جعلته يعطّل انتخاب رئيس الجمهورية قرابة السنتين والنصف رغم التنازلات التي قدّمها تيّار المستقبل وحتى حزب القوات اللبنانية وإن من موقعين مختلفين لتسهيل انتخاب رئيس جمهورية وإملاء الفراغ في رأس الدولة حتى لا تبقى الدولة بلا رأس وتكون عُرضة للإستباحة من أكثر من طرف داخلي وخارجي، وأولى هذه الأهداف العودة إلى المؤتمر التأسيسي من أجل إعادة النظر في اتفاق الطائف وفي الصلاحيات الرئاسية خصوصاً صلاحيات رئيس الحكومة حيث بات من الواضح إعتراض الحزب على هذه الصلاحيات التي حوّلها اتفاق الطائف إلى رئيس الحكومة، وحرم منها الطائفة المسيحية والطائفة الشيعية التي يعمل حزب الله ضمناً على تقليصها أو على تحويل جزء منها إلى الطائفة الشيعية.
وثمّة مَنْ يذهب إلى أن الحزب لا يكتفي بتقليص صلاحيات رئيس الحكومة المعطى للطائفة السنّية لتأمين الشراكة الشيعية بل يذهب إلى حدود المطالبة باستحداث منصب نائب رئيس جمهورية وإسناده إلى شيعي ليضمن مشاركة الطائفة في التوقيع على المراسيم التي تحظى اليوم بتوقيع المكوّنين الماروني والسنّي فقط أو إسناد قيادة الجيش أو حاكمية مصرف لبنان أو الهيئة العليا للإغاثة أو الأمانة العامة لمجلس الوزراء أو وزارة المالية.
واستناداً إلى ما تقدّم لا يعتقد المراقبون بأن حزب الله سيتراجع عن قراره وتسهيل النصاب القانوني لمجلس النواب وانتخاب رئيس جمهورية يُعيد للمؤسسات الدستورية انتظامها ويُخرج لبنان من هذه الدوامة التي يدور فيها منذ سنتين ونصف السنة على خلفية انتخاب الأكثر تمثيلاً لرئاسة الجمهورية في وقت هناك شبه إجماع على الاحتكام للدستور الذي يؤمّن وصول رئيس للجمهورية يمثّل كل لبنان وكل اللبنانيين، بدلاً من وصول رئيس يمثّل على حدّ زعم حزب الله فريقاً من اللبنانيين وبالتالي فإن الأمور ستزداد تعقيداً وسيعود الاشتباك السياسي بين ما تبقى من 14 آذار وما تبقى من 8 آذار إلى ما كان عليه قبل الهدنة التي فرضها عيد الأضحى المبارك لا سيّما وأن الأوضاع في المنطقة لا تبشّر بأي خير.