IMLebanon

العودة إلى الجذور..

إنه لأمر مبهج أن يتصالح المتخاصمون، خصوصاً من زعماء الطائفة الواحدة، بذريعة طارئة هي: الشغور في منصب رئيس الجمهورية، والعمل على تأمين إنهاء هذا الشلل الذي يضرب الدولة بمؤسساتها جميعاً، بأي ثمن.

ولقد تابع «الرعايا» اللبنانيون مساء أمس، الاثنين الواقع فيه الثامن عشر من شهر كانون الثاني 2016، مشهداً مثيراً يؤكد القاعدة الثابتة التي تقول: «لا مبادئ ثابتة بل مصالح ثابتة».. إذ جمع المشهد الاستثنائي المتضادين في التوجه السياسي إلى حد الحرب لاستنقاذ رئاسة الجمهورية من مخاطر «تدخل» الطوائف الأخرى في «الشأن الماروني الخاص».

من الرابية إلى بكركي فمعراب تتبلور وحدة الطائفة وتتأكد عبر وحدة قرارها فإذا الأمر شبه المستحيل قد حسم، وبات ممكناً إعلان التحالف كسد منيع في وجه الذين حاولوا بل اقترفوا جرم التواطؤ السياسي (ولو بالاضطرار) فقبلوا أن يتعاطى «الغير» ومن خارج حرم الطائفة بالمنصب الممتاز المكرس للماروني الأول.

من حق مختلف القوى السياسية، بطبيعة الحال، أن تتحالف من فوق الخصومة الطارئة أو الدائمة أو التاريخية التي وصلت إلى حد الحرب بالسلاح، في هذا النظام الطوائفي الذي يلغي «المواطن» تماماً ليسلم القرار لـ»الدول»، بغض النظر عن ماضي العداوة (حتى داخل الطائفة) إلى التحالف الذي يمكنه التحكم بصنع المستقبل.

فالنظام مصنوع ومحمي كفاية لكي تبقى «الطوائف» بديلاً من «الشعب»، الذي يُمنع من تأكيد وحدته. فالشعب رعايا لطوائفه، وليس وحدة متجانسة بشهادة اختلاف المنابت والأعراق (مع التنويه بأن الأقرب إلى العروبة، بالنسب، هم الموارنة..).

لا بد للرعايا من «قادة»، والطريق إلى القيادة معابر طائفية، والمزيد من الطائفية معززة بالمذهبية.

لكن النظام في لبنان «ديموقراطي»، وفي النظام الديموقراطي يتساوى «المواطنون»، وتحول الرعايا إلى «مواطنين» يهدد النظام، إذن فإلى جهنم الديموقراطية من أجل سلامة النظام!

… حتى الحرب الأهلية أقل خطراً على النظام من خروج الرعايا من طوائفهم وعليها. ذلك أنه متى تساوى اللبنانيون كمواطنين تهددت سلامة النظام الذي يحمي حقوق الطوائف.. وبالتالي فلا بد من حرب أهلية مرة كل بضع سنوات ليبقى الرعايا في كهوف طوائفهم. ولا بد من إلغاء «السياسة» لأن «السياسة» تهدد الهيمنة الطائفية.. وفي غياب «السياسة» يمكن بناء النظام الفريد في بابه بالأقوام التي تعاد إلى طوائفها لتكون شريكة في «القرار» من داخل النظام الطوائفي الذي يلغيهم كمواطنين!

لا يملك «المواطنون» حق إبداء الرأي في الشأن العام. إذا صاروا «مواطنين» نبذهم النظام فألغاهم. حوّلهم إلى أشباح مجهولي القيد، فإن عاندوا حاسبهم وأصدر الحكم بشطب وجودهم، وفرض عليهم أن يعودوا أفراداً تائبين إلى حضن الطائفة التي لا بد أن تبقى محصنة بالخارج، أجنبياً في الأساس، وعربياً بالاستثناء الذي يفرض عليه التحالف مع الأجنبي الأقوى ليكون له حق الرأي ولو من موقع الشريك الأضعف.

هذا لا يعني أن التحالف بين أقطاب الطوائف ممنوع… فلهم جميعاً الموقف ذاته من الرعية. وليس للرعية حق الرأي إلا من خلال «الأقطاب» الذين لا يجوز أن يزيد عددهم في الطائفة الواحدة عن ثلاثة، وفي حالات استثنائية عن أربعة.

بحسبة بسيطة، يتبين أن جموع الطوائف التي يتشكل منها الشعب اللبناني يقودها ويقرر مصيرها، إذا ما اعتبرنا عددها ست طوائف (لديها حق الفيتو) يتراوح بين 12 إلى 15 قطباً.

مع ملاحظة: ليس لهذه الطوائف الست حق الفيتو، بل عليها أن تحترم التراتبية في ما بينها: فهناك الممتاز، وهناك المميز، وهناك المقبول وهناك الذي لا بد منه لإكمال اللوحة.

من هنا إن قانون الانتخاب في لبنان أشبه بلوحة للكلمات المتقاطعة يعاد تشكيلها كل عشر سنوات أو يزيد بسبب بروز زعماء جدد لهذه الطائفة أو تلك لأسباب تتصل بطبيعة الظروف المحيطة وخطورة الحمّى الطائفية التي قد تستولدها التطورات التي قد تأتي بمجهولين إلى الزعامة وتفرضهم شركاء في القرارات المصيرية.

عشتم وعاش لبنان.