IMLebanon

عودة إلى خطاب السيّد ومواجهة «الإرهاب»

عودة إلى خطاب السيّد ومواجهة «الإرهاب»

الحزب يُعيد النظر بالأولويات بعد ارتفاع منسوب المخاطر؟!

ماذا خبّأت النبرة العالية للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، في خطابه الأخير، الذي قفز فوق المعطيات اللبنانية في حيّزها المكاني والزماني، إلى ما هو أبعد، وأخطر، في سياق حروب المنطقة، والنزاعات الساخنة والباردة، في سبيل إعادة بناء استراتيجيات الدول الإقليمية والكبرى في الأمن، والمال، والاستثمارات، والنفط، والتنافس على الأسواق القديمة – الجديدة؟

 لعلّ مردّ هذا السؤال المحوري، يتجاوز الإجابات التي وصلت سواء، عبر الاجتماعات الحوارية المغلقة، كحوار عين التينة، الذي تحوّل إلى ما يشبه المؤسسة الدائمة للتواصل، أو عبر التوضيحات التي يتولاها وسطاء، أو عبر الوقائع الجديدة التي برزت ما إن مضى بعض الوقت على ما تبع خطاب السيّد نصر الله، من مواقف إقليمية وإسرائيلية ولبنانية، إلى ما هو أبعد، ويتعلق بما تردّد من معلومات عن أن «ضربة القنيطرة»، هي واحدة من سلسلة ضربات، تعدّ لها اسرائيل، ليس في المناطق المتاخمة للكيان العبري، المحتل، سواء في مزارع شبعا والعرقوب، امتداداً إلى جبل الشيخ والجولان، بل أيضاً في مناطق سيطرة حزب الله، في الضاحية الجنوبية، وربّما البقاع والجنوب.

ولم يكن أمراً مستغرباً أن تتحدث بعض الأوساط القريبة من حزب الله، عن احتمالات خرق اسرائيلي، أو استخباراتي أميركي في الجغرافيا الخاصة به، فضلاً عن إقتناع آخذ بالتزايد لدى الحزب من أن حلفاً يُبنى بين أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية، والجماعات المناوئة له في سوريا، مثل جبهة «النصرة» وتنظيم «داعش».

وسواء كانت إجراءات الحزب بعد عملية القنيطرة العدوانية، التي استهدفت نخبة من كوادر الحزب ومجاهديه المشهود لهم بالتجربة والولاء والاستعداد للاستشهاد في أية لحظة، وفي أيّ مهمة، تناولت الشق السياسي – الإعلامي، أو الميداني، المتعلق بالاستعداد لمواجهات مفتوحة، فإن الشق الأمني – الإستخباراتي في هذا الموضوع، بقي هو الأساس، في تدابير استباقية، لمنع تكرار الاستهدافات الاسرائيلية لكادرات الحزب ومقاتليه، في وقت تتصاعد فيه حدة المواجهة على الجبهات السورية مع لبنان شرقاً وشمالاً، وذلك بهدف منع المعارضة التي أدخلتها استراتيجية أوباما للأمن القومي، في عداد ترتيباتها، تسلحاً، وتدريباً، وتمويلاً، من تحقيق ضربات موجعة ضد نظام الأسد بدءاً من العاصمة دمشق..

هنا، تتحدث المعلومات – غير القاطعة – أن الحزب أعاد النظر في أولوياته، بحيث تحوّلت إلى:

1- تأخير فتح جبهة الجولان، أو ترك المسألة للمنظمات الفلسطينية المناوئة لسلطة محمود عباس. كالقيادة العامة (أحمد جبريل) أو الجبهة الشعبية، أو حتى فصائل فلسطينية أخرى، قريبة من خط المقاومة..

2- إعطاء الأولوية لإنهاك الجماعات المسلحة، والمعارضة لنظام الأسد، في معظم مناطق القتال في سوريا، وحصراً في منطقة الزبداني، ودرعا، غرب وشرق دمشق.. وصولاً إلى الرقة وحلب..

3- إتخاذ سلسلة من الاجراءات فائقة الدقة والسرّية في مناطق تواجد قيادات الحزب، لا سيّما العسكرية منها، بعد أن زوّدت جهات دولية صديقة لحزب الله، والمحور الإيراني – السوري، أن المعلومات لديها، تتوقّع أو تؤكّد أن عمليات ستجري في «العمق الشيعي»، بالمعنى الجغرافي، وتحديداً في الضاحية الجنوبية.

4- وضع خطة عسكرية، شاملة، تنطلق من احتمالات شبه مؤكّدة أن مواجهة ما قد تحصل مع اسرائيل في أعقاب انتهاء الانتخابات الاسرائيلية أو بالتزامن معها.. وقد تشمل الجبهات الثلاث المفتوحة مع اسرائيل (جبهة مزارع شبعا، جبهة الجولان، وجبهة غزة)، بعدما ظهرت صعوبات جدية في فتح جبهة الضفة الغربية، نظراً لممانعة منظمة التحرير الفلسطينية، في الوقوع في قبضة «الخط الإيراني»..

ونظراً لحساسية الموقف، استبعدت الضاحية من الخطة الأمنية، أو حتى إجراءات إزالة الشعارات والأعلام، وإن كان حزب الله، بإمكانه أن يتصرّف وفقاً لمقتضيات الخطة، وعلى نحو ما حصل في بيروت، وصيدا، وتعذّر إزالة كل الشعارات في طرابلس، لأسباب متعدّدة، لا متّسع للخوض بها الآن..

أما في السياسة، فالحزب نجح بإقناع الفريق المفاوض في تيار المستقبل، أن خطاب السيّد نصر الله، لا علاقة له بارتدادات لبنانية، كالإطاحة بالقرار 1701، أو تغيير مهمة اليونيفل وقواعد الاشتباك في ما خص الخط الأزرق، وسائر الترتيبات التي أوقفت حرب عام 2006، وعبّر البيان المشترك، الذي صاغه وزير المال علي حسن خليل بعناية فائقة، عن الحرص الجدّي للحزب، على الأمن والاستقرار والوضعية الدولية واللبنانية للقرار 1701، وهو ما نقله بوضوح مدير عام الأمن العام عباس ابراهيم الى الناقورة، عندما ذهب للتعزية بالجندي الإسباني، الذي قُتل بنيران اسرائيلية، بدت معادية وغير صديقة!!

ساهمت التطورات المتصلة بصراعات المنطقة، والحراكات الجارية فيها، على غير صعيد، على إعطاء حزب الله مشروعية التوجه الذي ذهب إليه، فإسرائيلياً جاءت زيارة يعالون رئيس أركان الجيش الاسرائيلي إلى جبهة الجولان لتكشف عن المخاوف الحقيقية لدى الاسرائيليين، من أن جبهة الجولان، ستفتح عاجلاً أم آجلاً، وأن الاجراءات الاسرائيلية، سواء في ما خصّ برفع وتيرة الاستنفار أو الكشف عن التنسيق مع المنظمات السورية المسلحة التي تقاتل النظام وحلفاءه، تصبّ في مكانها الصحيح، من الوجهة الاسرائيلية.. مهدداً بتكرار ما حدث في 18 ك2 الماضي على جبهة الجولان..

عربياً، تكرّست مشروعية قتال حزب الله ضد المنظمات المعارضة، ذات الصفة المتطرّفة، أو الموسومة «بالإرهاب»، بعد التحوّل الكبير في المواقف العربية والاسلامية، سواء من مرجعية الأزهر الشريف أو من الرياض أو حتى الأردن، جراء تنفيذ حكم الإعدام بالطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً، في مشهد رفع من درجة خطورة «داعش» كحركة تعتمد البطش والإرهاب، بصرف النظر عن الوسائل، للوصول الى أهدافها، وذلك بإرهاب «أعدائها» بأساليب أصبحت خارج التاريخ، ولا أحد يقرّها، لا على مستوى الشرائع ولا على مستوى القوانين..

وضمن المنطق القائل، لا يهمّ من يقاتل حزب الله وسوريا، بل المهمّ أنه يقاتلهم، وهذا يحقّق أهداف من يرى في الحزب ونظام الأسد أعداءً له، أصبح من المقبول أن تلتقي مصالح هؤلاء، في المعركة الموحّدة ضد «الإرهاب».

وهكذا كسب «حزب الله» الرهان اللبناني، وبدأ قتاله ضد «الإرهاب» ممثلاً «بالنصرة» أو «داعش» (كما توصف هاتان الجبهتان) مقبولاً، ولكن ضمن مأخذ، يمكن تجاوزه، أن الحرب تجري في سوريا، وتدخّل الحزب كان لدعم النظام وضد الثورة السورية (وهذه مسائل تحتاج إلى نقاش، وإيضاحات، وتفريقات).

في خضم هذا الاشتباك الكبير، ارتبط الاستقرار اللبناني، من زاوية خفض مستوى الاحتقان المذهبي، بين السنّة والشيعة، بتطور المصالحة العراقية بين السنّة والشيعة أيضاً، وبقدر ما تقدم برنامج إضعاف «داعش» في العراق، حيث من هناك انطلقت «دولتها» أو «خلافتها»، بقدر ما يذهب الاستقرار اللبناني، إلى خطوات أثبت وأصلب.

ومن هذه الوجهة، يستعد حزب الله للمنازلة الكبرى مع اسرائيل، كلما احتدم الوضع على الجبهة السورية، ومن هناك، يتقرر مستقبل جديد لخارطة القوى وموازينها؟!