في كواليس «القوات» حديث عن تهجير من رحاب لبنان إلى دسكرة بشري وكتلة النائبين
أُريدَ لجعجع تكرار مرحلة ما قبل سجن اليرزة فأعلن «نهاية زمن الإستئثار»
كان أمام جعجع، حسب رواية «القوات» خياران: إما انتظار لحظة الإعتقال السياسي أو الإنتفاضة على غرار ما فعله قبل ٣٠ عاماً
أنتج الأسبوع، المحتفي بقفول صاخب، دينامية إعلامية – سياسية لافتة، محورها معراب وبنشعي. جلسات رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية مع مجموعة من الإعلاميين وقفاشاته معهم، فرضت على معراب جلسة مضادة تولاها النائب أنطوان زهرا بالوكالة عن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. عند القوات، ليس تفصيلاً أن يتولى زهرا الرد وتشريح موقف فرنجية وتفنيده، وهو الزاهد في النيابة عن قضاء البترون على ما يظهر، و«راهب 14 آذار» على ما يحلو له القول.
تضجّ الكواليس القواتية بروايات شتى عن القصة الرئاسية من ألفها الى يائها. ومعظهما يلتقي عند مروحة من الخلاصات والاستنتاجات:
1-لم يكن لسمير جعجع ان يفعل ما فعله لولا استشعاره، يقيناً، أن ثمة ما يحاك له من رباعي سياسي – أمني معروف له بالأسماء والألقاب، بهدف استعادة كثير من مرحلة ما قبل السجن: إنقلاب، فعزل وتحجيم ووصلاً الى السجن، وإن أريد له هذه المرة سجن مجازيّ اكبر قليلاً من سجن الاحد عشر عاما ونيف في وزارة الدفاع.
2-أريد له، مما إستُشم من اجتماعات باريس، ان يهْجر (يُهجَّر؟) كسروان والمتن والشوف وجزين وزحلة، شمالاً الى حدود المدفون المحصور بين جبال بشري وهضابه والبترون، وهناك يُترك في منافسة ضارية مع العهد الجديد، تنتج له خسارة سياسية وانتخابية مدويّة في البترون والكورة وزغرتا وعكار وباقي النواحي الشمالية، ليكتفي بكتلة من نائبين في بشري!
3-أريد له تقليص حضوره عربياً ودولياً، الى حدوده الدنيا، بعدما حلّ مرات زعيماً مكرماً في عواصم القرار العربي (المتحالفة منها والمتناقضة) والغربي، مكرَّساً قطباً لبنانياً استثنائياً.
4-ببساطة، أريد لجعجع في المبادرة التي سقطت عليه سقطة عشواء، ان يحجّم. ان يعود الى بشري حيث إنطلق مقاتلاً في منتصف سبعينات القرن العشرين. أن يعود زعيماً على دسكرة، بعدما صار في غضون 11 عاماً زعيماً على حزب بإمتدادات عربية وغربية لم يسبق ان عاشتها القوات اللبنانية منذ زعامة بشير الجميل.
قرأ جعجع بحسّه الاستراتيجي، هذه الوقائع. لم تكن خياراته كثيرة: إما إنتظار لحظة الاعتقال لإعادته الى السجن السياسي في بشري فتتكرر لحظة انتظار السجّان قبل 20 عاماً في غدراس، وإما الانتفاض ليكرر ما فعله قبل 30 عاماً، وإن أتت انتفاضته هذه المرة بأدوات سياسية لا عسكرية.
في ساعة الحسم، قرّر الإنتفاض. سرّع وتيرة البحث الرئاسي مع ميشال عون. حلّت اللحظة المفصلية مع زيارة جبران باسيل لمعراب ذات مساء الخامس من كانون الأول 2015 («اللواء»، 12 كانون الأول 2015). صارت الورقة الرئاسية واقعاً، وكذلك دعم جعجع ترشيح عون، في إنتظار التنقيحات الأخيرة.
بعد الحسم، إنطلق السباق ضد الساعة. نُقحت الورقة مرات بعد مرات. أراد جعجع 15 كانون الثاني موعداً لإعلان دعم الترشيح، ولإعلان إنتفاضته الثانية، بعد أولى ضد ايلي حبيقة والاتفاق الثلاثي في 15 كانون الثاني 1985. تأخر الإعلان (وهو إعلانان في إعلان) بفعل تنقيحات الايام الاخيرة، الى ان حلّ الثامن عشر من كانون الثاني بمصالحة مسيحية صاخبة ودعم ترشيح غريم الثلاثين عاماً وورقة رئاسية من 16 بنداً، عُرفت بورقة البنود الـ10 بعدما قرّ رأي الرجلين على اعلان 10 رئيسية منها.
صار ترشيح في مواجهة ترشيح، وعواصم في مواجهة أخرى، وفرز سياسي – حزبي جديد في مواجهة آخر، وورقة من 16 بنداً في مواجهة ورقة البنود الـ 8 التي وافق عليها سليمان فرنجية في اجتماع باريس مع سعد الحريري.
أطلقت «القوات اللبنانية»، وجعجع شخصياً، حملة دعم عون، داخلياً وخارجياً. دينامية سياسية كاملة في خدمة الترشيح. 3 مقابلات في صحف سعودية. موفده حطّ في الرياض ناقلاً افكاراً وتوضيحات. البوانتاجات على قدم وساق، وكذلك استطلاعات الرأي. احصاء «ايبسوس» بعنوان «تبني جعجع ترشيح عون لرئاسة الجمهورية» كان أكثرها تأثيراً. استطلعت الشركة إلكترونياً 1،063 لبنانياً في الأسبوع الثالث من كانون الثاني:
أ-حصل الاتفاق بين عون وجعجع على تأييد حوالى ثلثي العيّنة من غالبية المسيحيين (85%) والشيعة (63%). أما الـ 16% الذين لم يؤيدوا الاتفاق فهم حوالى ثلث السنة يليهم 28% من الدروز.
ب-إنقسمت الآراء مناصفة (50/50) في ما اذا كان عون سيتواجه مع فرنجية في الإنتخابات. في حال تواجها، 64% يؤيدون عون ويعتبرونه المرشح الأوفر حظاً بالفوز، يمثلون 75% من المسيحيين و68% من الشيعة، في مقابل 36% إختاروا فرنجية وهم 52% من السنة و53% من الدروز.
ج-غالبية العيّنة (85%)، معظمها من المسيحيين والشيعة تحبّذ استمرار تحالف جعجع- عون في قرارات او استحقاقات أخرى في مقابل 21% تعارض ذلك ومعظمهم من السنة.
د- بالنسبة الى المستفتين، أبرز المرحبين بهذا الترشيح: حزب الطاشناق (70%)، يليه حزب الله (65%)، ثم الحزب السوري القومي الاجتماعي (53%). أمَا أبرز الرافضين، فهم:
تيار المستقبل (88%)، حركة أمل (71%)، الحزب التقدمي الاشتراكي (66%)، تيار المردة (79%)، حزب الوطنيين الأحرار (64%)، حزب الكتائب اللبنانية (58%).
ماذا بعد؟
جلسة 8 شباط، التي تحدث نبيه بري عن بوانتاجات يجري تحضيرها كمؤشر الى جدية المعركة هذه المرة، محكّ اساسي في التفاهم بينهما، حتى لو لم تثمر عون رئيساً. أما الانتخابات البلدية والاختيارية وفرعية جزين فمحطة ينتظرها الحزبان، لامتحانٍ يُكرم فيها تفاهمهما او يُهان.. على طريق الاتفاق على قانون الانتخاب وخوض الاستحقاق النيابي في لوائح موحدة، وتلك مسألة أخرى وانعطافة ستؤسس لشراكةٍ حكماً غير، قال فيها جعجع بلسان انطوان زهرا: «ولى منطق الاستفراد والاستئثار».