Site icon IMLebanon

كواليس وخفايا «المبنى 9»

حالٌ من الصدمة والغضب العارم يُخيّمان على أهالي الأشرفية الذين يعجَزون عن كبح مخاوفهم ولجمِ هواجسهم، بعد كشفِ فرع المعلومات أنّ انتحاريَّي برج البراجنة استخدَما شقّة في الأشرفية، وأنّ الأحزمة الناسفة كانت تُعَدّ داخلها.

تقع تلك الشقة «المنحوسة»، على حدّ تعبير الجيران، في محيط منطقة السوديكو، على بُعد أمتار من جامعة القديس يوسف – هوفلان، في مبنى مكوَّن من 3 طبقات. يُشير «الإنترفون» المحاذي للبوّابة الحديدية الرئيسية، والمعلّق من الخارج، إلى 8 شقق بأسماء مختلفة.

تُطلّ شرُفات ذاك المبنى الذي يحمل رقم 9، على حيّ سَكني هادئ، وتحديداً على جزءٍ من ورشة عمار جديدة، وجزءٍ من وحدة سكنية ذات العمار القديم، غيرِ مأهولة بالكامل، وقد تَمكّنا من التحدّث إلى إحدى المقيمات فيها، وهي جدّة من عائلة م.، فقالت: «في ذاك المبنى سَكن سابقاً عدد من العائلات المثقّفة، منها طبيب، ولكنْ بعد مضيّ سنوات، منهم مَن توفّي وآخرون تزوّجوا وغادروا، فبدأ المبنى يفرغ تدريجاً، وبدأ يَشغله عمّالٌ أجانب».

أمّا الجانب الشمالي من المبنى فيطلّ على موقف للعموم، غالباً ما يَركن فيه طلّاب اليسوعية وبعضُ الموظفين في المنطقة أو الزائرون سياراتِهم. ويُعرب أحد المعتادين على رَكن سيارته منذ سنوات في ذاك الموقف عن مدى الأمان، فيقول: «منذ أكثر من سَنة أركن سيّارتي بمحاذاة المبنى طوال النهار وأعود عند المساء، لم ألحَظ أيّ شيء غريب أو أيّ تضرّر في سيارتي، فمعظمُنا «أهليّة بمحَلّية، والحمدالله الغُربية، ما بيتنقّلو بسيارات».

أمّا الجانب الخلفي من المبنى فيطلّ على زُقاق من بضعة أمتار يقود إلى كنيسة بشارة السيدة، وإلى حديقة قيد الإنشاء، بالإضافة إلى مجموعة من المحالّ الصغيرة، منها مكتبة، مصبغة… يُجمع أصحاب تلك المحالّ على عدم سماعِهم أيَّ أصوات غريبة أو حركة غير اعتيادية، «الشارع هادئ، رغم أنّه سَكني». وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ بعض أصحاب المحالّ استبعَد أن يكون المبنى مأهولاً.

وللواجهة الخلفية لذاك المبنى أيضاً شرفات، ونوافذ، إلّا أنّ حالها كحال المبنى برُمّته، متصدّع، يكاد ينهار، فـ«قضبان» الحديد ظاهرة، قساطل الصَرف الصحّي متآكلة ومكشوفة للعَيان… وفي وقتٍ يبدو المبنى أقربَ إلى كوخ أشباح، فإنّ مجموعة مؤشرات تدلّ إلى أنّه يضجّ بالحياة، ففي الطابق الثاني أحدُهم تركَ بنطالَ جينز على درابزين الشرفة، وفي الطبقة الثالثة صحن لاقط، و على حافة الطابق الأوّل «قنّينة» مياه نِصفُها فارغ.

في التفاصيل

تكاد العبارات تَخون أهالي الحيّ، وتحديداً المحيطين «بمبنى 9»، في تعبيرهم عن سَخطهم العارم من المبنى، والمشكلة الأكبر ظهَّرَها نعيم بقوله: «يسكن المبنى من «هبَّ ودبّ»، كحال الوطن برُمّته، من الجنسيات كافّة، وفي الآونة الأخيرة نكاد نشعر بأنّنا ضيوف وهُم أصحاب الأرض».

ويتابع متأسّفاً: «مِتنا وعِشنا لنسكن في الاشرفية، وبعد البحث والتدقيق تبيّن لنا أنّنا في خطر، أدعو الجميع للتجوّل عند الخامسة أو السادسة عصراً، أسراب من العمّال الأجانب يتجوّلون، أشبه بجحافل يَخرجون من الورَش التي تغزو الأشرفية، ومعظمُهم لا أوراق ثبوتية لديهم ولا أيّ هوية، ومن دون حسيب ولا رقيب عن غاياتهم».

أمّا لَمى التي جاءت تَطمئنّ إلى صحّة والدتها، كغيرها من الجيران، تؤكّد «أنّ المبنى سبقَ أن أخلِيَ من السكّان لهدمه وبناءِ مسكن حديث، ولكنْ على ما يبدو أنّ مشكلات أخّرَت هدمَه أو أنّ صاحبه فضّلَ توسيعَ أرباحه وتأجيرَه لمجموعات ضمن الشقّة الواحدة».

مداهمة وطلبُ كاميرات

أحد أصحاب المحالّ المقابلة للمبنى «رقم 9» لم يَستغرب خبرَ اكتشاف الشقّة، على اعتبار، أنّ «مِن يوم السبت ونحن في هذه الأجواء، وقد شَهدنا مداهمةً واسعة للمبنى، أشبَه بمعركة حرب، وعمليات تدقيق مفصّلة، وطُلِب من أصحاب المحالّ تباعاً تسليمَ تسجيلات كاميرات المراقبة المزروعة أمام واجهات محلّاتهم». أمّا جارُه فيعلّق قائلاً: «رغم أنّ شباب المعلومات حضَروا منذ السبت، إلّا أنّهم اليوم (أمس) عاد أحدُهم ليتأكّد من تسجيلات تاريخ الثلاثاء 3 من الشهر الجاري».

مصدر في بلدية بيروت

في ظلّ تنامي هاجس الأهالي من الأبنية السكنية القديمة المتبقّية في أحياء الأشرفية السكنية، يبقى السؤال، كيف يمكن ضبط هوية المستأجرين؟ في هذا الإطار، يؤكّد مصدر مسؤول في بلدية بيروت، «أنّ ما حقّقته الأجهزة الأمنية صيدٌ ثمين، في وقتٍ قياسي»، مشيراً إلى «أنّ البيوتات القديمة مشكلة في حدّ ذاتها، يصعب ضبطها أو مراقبتها من قبَل البلدية، أو متابعتها، خصوصاً إذا كانت عقود الإيجارغير رسمية، أي إنّها غير مسجّلة في الدولة». ويضيف: «معظم مستأجري البيوتات القديمة من دون عقود إيجار مسجّلة، فكيف بوسعِ البلدية المتابعة والملاحقة؟

المؤسف أنّ أصحاب الملك والأبنية المتصدّعة، يتعاملون مع المستأجرين عبر إقامات غير شرعية، فيَصعب ضبط المسألة «بالشاردة والواردة» بما فيها هوية المستأجرين».