سياسة على الغلاف
أنهت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي تحقيقها في شأن عطل ليل 6-7 أيلول الجاري في مطار بيروت، بعد الاستماع إلى إفادات الفنيين والكشف الميداني الفني، بتكليف من النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمّود. «الأخبار» حصلت على نسخة من التحقيق الذي يحمّل شركة «سيتا» مسؤولية العطل غير المقصود، ويبيّن «فداحة» الإهمال اللاحق بمركز المطار والباشورة التابعين للشركة. وطالب الشركة بجملة «إصلاحات» وأعمال صيانة، يفترض بكلّ من شركة طيران الشرق الأوسط ومصلحة صيانة الأجهزة في المديرية العامة للطيران المدني التدقيق فيها ومتابعتها.
ثبّت «شادر من نايلون» فوق التجهيزات الفنية للنظام في المطار لإبعاد تسرّب المياه من السقف
بحثاً عن أسباب الإهمال، من المجدي التفتيش عن بنود الجزاء في العقود. في التفاصيل التي بيّنها تحقيق شعبة المعلومات في العطل الذي أصاب المطار ليل 6 ــــ 7 الجاري، أن العقد بين المديرية العامة للطيران المدني وشركة «سيتا» (مسجلة في هولندا، مكتبها الرئيسي في جنيف) يعود إلى عام 2011، وهو عقد سماح تقوم الشركة بموجبه بتركيب نظام لتقديم خدمات مختلفة في المطار، منها تجهيزات متعلّقة بنظام المسافرين ونظام الحقائب وغيرها، بهدف تحسين مستوى الخدمات لتتوافق مع المعايير التي يفرضها اتحاد النقل الجوي الدولي. وفي نهاية العام نفسه، وُقّع عقد إلحاقي (Exhibit 1) بين «سيتا» وشركات الطيران الأعضاء (Club Members) ينصّ على تقديم الخدمات (Cute Service) المتعلّقة بالمطار، ومن ضمنها نظاما المسافرين والحقائب وتقديم الدعم الفني وأعمال الصيانة للتجهيزات والبرامج. ويفرض العقد الإلحاقي، خصوصاً البنود 1 و2 و9 المتعلّقة بتوفير الخدمات، على «سيتا» تأمين الخدمات بمعدّل 99,86 في المئة شهرياً، أي أن فترة السماح لها بالتوقف لا تزيد على ساعة واحدة شهرياً. أما في حال تدني الخدمات بمعدل ساعة و48 دقيقة وما فوق (أدنى من 99,75 في المئة) فإن الشركة تتحمّل غرامة تعادل 10 في المئة من قيمة تكاليف الصيانة الشهرية التي تدفعها شركات الطيران لها وقيمتها نحو 90 دولاراً وفق العقد… أي أن سقف الغرامة القصوى التي تتحمّلها «سيتا» بعد ساعتي تعطيل تساوي نحو 9 دولارات فقط! مما يعني أن الغرامة ليست رادعة للشركة. وفي هذا المجال تحديداً، طلب تحقيق «المعلومات» بإعادة النظر في البنود الجزائيّة وجعلها «أكثر صرامة»، لا سيما البندان المتعلّقان بتوافر الخدمة والغرامات لدى تدنّي مستوى الخدمة أو توقف العمل في المطار.
خلف العطل… أعطال
تقع مهمّة مراقبة عمل التجهيزات والبرامج التابعة لـ«سيتا»، على عاتق مراكز التحكّم العائدة لشركة «أورنج» العالمية (تتبع لها «سيتا»). ويفترض بهذه المراكز إبلاغ فريق «سيتا» الفني في لبنان عن أي عطل يطرأ وطلب إصلاحه بتعليمات مباشرة منها. هذا ما حدث في الثاني من أيلول الجاري، عندما أنذر أحد مراكز التحكّم الدوليّة (في نيودلهي) مهندسي الشركة في لبنان بوجود عطل فني على إحدى الشريحتين الإلكترونيّتين (Control Processor) العائدتين لجهاز الـPassport الموجود في مبنى الشركة في محلة الباشورة (مركز يربط خطوط اتصال الشبكة الداخلية في لبنان بالشبكة خارجه). اقترح مركز التحكّم في الخارج على المهندسين في لبنان تبديل الشريحة يوم الاثنين 3 أيلول، ثم جرى تأجيل العملية إلى ليل الخميس 7 أيلول، بناء على طلب «سيتا» في لبنان لتعذّر الأمر في مدة وجيزة. في العاشرة من مساء الخميس تلقّى المهندس والمسؤول التقني لـ«سيتا» في الباشورة، اتصالاً من مركز التحكّم (تابع لشركة «أورنج»)، لإصلاح العطل واستبدال الشريحة المعطّلة بأخرى احتياطية موجودة في المركز، إلا أن الشريحة الاحتياطية لم تعمل، فحاول المهندس استبدالها بشريحة احتياطية ثانية لم تعمل أيضاً. وتبيّن نتيجة التحقيقات أن الشريحتين جرى استلامهما منذ 2015 من شركة «أورنج»، ومذذاك لم تجرِ تجربتهما في مركز الباشورة أو التأكد من حسن عملهما.
سقف الغرامة القصوى التي تتحمّلها «سيتا» بعد ساعتي تعطيل تساوي نحو 9 دولارات فقط!
عدم عمل الشريحتين أدّى إلى توقّف نظام شركات الطيران في مطار بيروت. أُبلغ المدير التقني في «سيتا» لبنان بذلك، وبعد اتصالات بينه وبين مركز التحكم الخارجي طُلب منه إعادة الشريحة القديمة وهكذا كان… لكنّها لم تعمل إلاّ لعشر دقائق، تعطّل بعدها نظام الـPassport بأكمله وكذلك المطار. مرّت ساعتان في محاولة إصلاح العطل بلا جدوى، مما دفع الشركة إلى العمل على نقل خطوط الشبكة وتوصيلات جهاز الـPassport القديم إلى الـRouter الجديد (يتضمّن جهازين من نوع Cisco PE يعملان بصيغة متوازية أي أن أحدهما يستمر بالعمل في حال توقّف الآخر)، واستمرت العملية حتى الخامسة فجر الجمعة لإصلاح العطل. علماً أن الجهازين الموجودين في الـRouter الجديد، جرى تركيبهما في وقت سابق في مركز الباشورة، تمهيداً للاستغناء كلياً عن النظام القديم نهاية أيلول. وكانت الشركة بدأت بنقل بعض خطوط الاتصال لشركات الطيران على أن تستكمل نقل الخطوط من المطار إلى الجهاز الجديد نهاية الشهر بعد انتهاء فترة الذروة في المطار، بناء على اقتراح الشركة العالميّة. لكن تقرير المعلومات نفسه، ونتيجة الكشف التقني، أفاد بأن الجهازين كانا موجودين في خزائن مركز الباشورة.
مركزا الباشورة والمطار مستودعان!
تحقيق «المعلومات» كشف أن نظام الاحتياط أو النظام الرديف لنظام الـPassport الأساسي في مركز الباشورة (يفترض أن يعملا معاً بشكل ثنائي في حال حدوث عطل) لم يكن جاهزاً للعمل ولم يقم الفريق التقني في «سيتا» بتجريبه مطلقاً، «كون الجهاز الذي تعطّل يحتوي منظومة عمل ثنائية ولا ضرورة لاستعمال النظام الرديف» باعتقاد مسؤولي الصيانة في الشركة. لكن الأمر أبعد من ذلك، إذ إن الشركة تستعمل أجزاء النظام الاحتياطي كقطع غيار في حال تعطّلت أجزاء في النظام الرئيسي، بدلاً من تجهيزه وبرمجته وإعداده للحلول مكان الأساسي في حال تعطّله. كما أفاد التحقيق بأن مركز البيانات في الباشورة «داتا سنتر» لا يتمتّع بالمواصفات الفنيّة المطلوبة، لجهة عدم وجود أنظمة تبريد وإنذار وحماية من الحرائق ومراقبة وتحكّم بحركة الدخول إلى المركز والخروج منه، وغياب أنظمة مراقبة درجات الحرارة والرطوبة وتسرب المياه والإنذار الفوري. كما أن المركز يستخدم كمستودع في الوقت نفسه مع ما للأمر من تداعيات. وتبيّن عدم وجود مركز بيانات رديف «Disaster Recovery» في الباشورة مع ما للأمر من أهميّة لتدارك أي عطل في مركز يفتقر للمعايير.
أما مركز نقل البيانات في مطار بيروت فحكاية أخرى، إذ تبيّن أنه يعاني بدوره من نظام تبريد غير فاعل ويستخدم أيضاً كمستودع لأغراض قابلة للاشتعال تشكّل خطراً على التجهيزات. أكثر من ذلك، فإن الخزائن التي تحتوي على التجهيزات الفنية للنظام في المطار تقع تحت سقف تتسرّب منه المياه، وفوقها تماماً ثبّت «شادر من نايلون» يبعد تسرّب المياه إلى مسافة أبعد بقليل، مما يعرّض التجهيزات لخطر التعطّل أو التلف. هنا أيضاً تغيب أجهزة تحسّس الحرائق والرطوبة وتسرب المياه. مما يطرح السؤال حول الالتزام بالمعايير الدولية وأنظمة الأمان من «سيتا» اللبنانية، والمراقبة الدورية لها. فيما اقترح تقرير «المعلومات» اتخاذ «الإجراءات الفوريّة اللازمة لتأهيل مراكز الربط والبيانات في المطار والباشورة وفقاً للمعايير المعتمدة في هذا المجال TIER1 أو TIER2، من ضمنها إنشاء مركز رديف لمركز الباشورة».
الاتصال بالإنترنت: لماذا التأجيل؟
وحدها شركة «الجزيرة القطرية» استمرّت بالعمل أثناء العطل التقني الذي دام نحو 5 ساعات ليل الخميس ــــ الجمعة الشهير، إذ تمكّنت الشركة من الاستمرار بتقديم الخدمات للمسافرين عبر خطوطها، كونها عمدت في وقت سابق ــــ بناءً على طلبها الخاص ــــ إلى تركيب تجهيزات فنية تسمح لها بالاتصال مع الخارج بواسطة شبكة الإنترنت من دون المرور بشبكة «سيتا» ولا بمركز الباشورة. الحلّ البديل عبر الاعتماد على شبكة الإنترنت للتواصل مع الخارج في ظلّ الأعطال كان متاحاً، إلاّ أن «سيتا» لم تعتمده من قبل، ولم يكن باستطاعتها اعتماده موضعياً لدى وقوع العطل المذكور. وقد أشار تقرير «المعلومات» إلى «ضرورة اتخاذ الإجراءات الفوريّة من قبل «سيتا» لتأمين حلّ احتياطي بديل يعتمد على شبكة الإنترنت لنقل المعلومات مباشرة إلى الخارج من دون اللجوء إلى مركز الباشورة».
من ملف : مطار بيروت: نحاس وحديد وأمن… للبيع!