IMLebanon

«الإتفاق السيّئ».. جيّد!

 

إبقاء الرئيس دونالد ترامب «الاتفاق النووي» مع إيران، على حاله لم يكن مفاجئاً ولا صادماً على العكس من القراءات التي تعتقد ذلك.

قال خلال حملته الانتخابية أشياء كثيرة عن إيران وسياستها الخارجية وتدخلاتها في شؤون غيرها وامتداداتها فوق حدودها، وانتقد سلَفه باراك أوباما لأنّه اعتمد سياسة أرنبيّة إزاءها، ولأنّه وقّع معها «اتفاقاً سيئاً».. لكنه لم يقل مرّة واحدة أنّه سيلغي هذا الاتفاق. بل الغريب، أنّه كان (دائماً) يترك أسلوبه الصاخب والمبهرج جانباً، عندما يتطرّق إليه، ويعتمد منطقاً دقيقاً عماده أنّه «سيعيد النظر» في بنوده، و«سيراقب» الإيرانيين في التنفيذ.

والواضح، أنّ هناك من شرَحَ له أهميّة تشليح النظام الإيراني «غير الموثوق» مشروع إنتاج قنبلة إفنائية. ومعنى ذلك بالنسبة الى إسرائيل والجوار العربي وأوروبا غرباً، وباقي آسيا شرقاً، وهذا العالم في الإجمال.. ثمّ معنى كون الاتفاق موقّعاً من قِبل تكتّل الخمسة الكبار زائد ألمانيا، وعدم قدرة واشنطن على اتخاذ موقف أحادي في شأنه، إذا كان لا بدّ من ذلك الموقف أصلاً!

ترامب «المؤدلج» يرى إيران أمّ الشرور. لكنّ ترامب الرئيس لا يختلف في أدائه الرئاسي عن أمثاله في الدول الديموقراطية، حيث المواقف التعبوية المعلنة في الحملات الانتخابية شيء، و«القرارات» التنفيذية في المواقع السيادية شيء آخر. ومواقفه من «الاتفاق النووي» لا تختلف (بالمناسبة) عن مواقفه إزاء قضايا خارجية أخرى. منها (قبل يومين) تلميحه الى التراجع عن «قرار» الانسحاب من اتفاقية المناخ خلال لقائه نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون في باريس، ومنها تراجعه عن حملاته التي أرعبت الحلفاء التاريخيين في أوروبا في شأن وضع «حلف الناتو». ومنها (عملياً وواقعياً) تراخيه في قصة بناء الجدار الفاصل مع المكسيك! ومنها مواقفه «التجارية» من الصين التي تراجعَ عنها برشاقة مشهودة غداة زيارة زعيمها شي جين بينغ إليه في الولايات المتحدة.. ومنها تصريحاته الإيجابية إزاء تركيا، التي بلعها عملياً عندما اصطدمت بالسياسة المعتمدة من قبل إدارته إزاء «العامل الكردي» في النكبة السورية والتي اعتبرت امتداداً لتلك التي اعتمدتها إدارة السيّئ الذكر أوباما.. إلخ.

غير أنّ مواقفه من إيران جملةً، تبدو راسخة و«مبدئية» برغم أنّ الشق العملي منها لم يبصر النور بعد تماماً! ولم تترجم ميدانياً خارج نطاق اتفاق المنطقة الآمنة في الجنوب السوري، ووضع خط نار أمام محاولات الميليشيات التابعة للإيرانيين الاقتراب من معبر التنف الحدودي، أو الوصول الى مرتفعات الجولان أو الى نقطة تماس مع الحدود الأردنية.. أو إكمال خط الربط البري بين شط العرب وشط المتوسط!

أي يمكن الافتراض بهدوء، أن كلام ترامب وأقطاب إدارته عن إيران، لا يزال أكبر من أفعالهم حتى الآن! برغم أن «الحرب على الإرهاب» وإعادة تصحيح مسار العلاقات مع دول الخليج العربي، قلَبا عاليها سافلها بالنسبة الى الإيرانيين وفتحا الباب أمام استطرادات لا تسرّ خاطر قادتهم، خصوصاً أن هناك في واشنطن مَن بدأ يتحدث علناً عن ضرورة دعم «عملية تغيير النظام» في طهران.

هناك حدود تفرضها استراتيجيات الدول الكبرى حتى في وجه رئيس استثنائي مثل ترامب. لكن الواضح في المقابل، أنّ مواقفه من إيران وتدخلاتها في شؤون غيرها واعتبارها «الراعية الأولى للإرهاب في العالم»، هي جزء من تلك الاستراتيجيات، أكثر من كونها مواقف انتخابية عابرة!