السؤال الأهم الآن في لبنان هو هل يريد «حزب الله» وحليفه الإيراني انتخاب رئيس خلال جلسة البرلمان المقبلة في نهاية الشهر، أم أنه يفضل بقاء الأوضاع الحالية لتجنب ما يعنيه انتخاب الرئيس، بغض النظر عن اسمه، من تفعيل للمؤسسات بعد سنتين من الشغور الرئاسي؟ هل يريد «حزب الله» رئيساً يتعبه في دخوله وخروجه من سورية مثلما يشاء؟ أم أنه يفضل تفعيل المؤسسات لحمايته دولياً؟ وهل يريد حكومة يترأسها خصمه وخصم حليفه السوري بشار الأسد؟
حاول الرئيس سعد الحريري على مدى 11 شهراً التوصل إلى انتخاب الرئيس، بعدما اختار ترشيح سليمان فرنجية حليف «حزب الله» وبشار الأسد. وعجز عن ذلك لأن «حزب الله» تمسك بالعماد ميشال عون. واليوم لم يعد سراً أن الحريري لم يعد يتحمل هذا الشغور وهو يرى البلد معطلاً على وشك الموت، فعمد إلى تغيير موقفه والموافقة على انتخاب عون، على رغم معارضة كبرى من كتلته وتحفظات ومخاوف كثيرين من المقربين منه.
الحريري جاد في محاولة التوصل إلى انتخاب رئيس. وهذا ما قاله لكبار المسؤولين الفرنسيين. ولم يعد سراً أن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري لديه مشكلة مع اختيار عون رئيساً. والسؤال هو هل هناك هامش تحرك واسع للرئيس بري تجاه حليفه «حزب الله» أم أن الأخير يختبئ وراء رفض بري لتجنب انتخاب رئيس؟ لا أحد يعرف الجواب باستثناء المرشد الإيراني علي خامنئي ومسؤولي «الحرس الثوري» الذين يمسكون بالملف اللبناني. واللافت في هذا السياق أن أحد أعضاء «حزب الله» حسين مرتضى قال أول من أمس إنه إذا كان التحالف مع عون ضرورة وطنية فالتحالف مع حركة «أمل» ضرورة وجودية، أي أن الأولوية لتجنب المواجهة مع بري وحركته.
يطرح على الحريري سؤال عن كيف وافق على تسوية من هذا النوع من دون الحصول على ضمانات لا يمكن أن يحصل عليها من خصمه «حزب الله»؟ الحريري متمسك بالعلاقة مع بري ولا يريد الخلاف معه. لكنه عازم على إيجاد حل ينهي تعطيل المؤسسات ويعيد نفوذه ويفضي إلى انتخاب رئيس للبنان. وهو يقول ذلك للجميع منذ انتهت الانتخابات البلدية.
يراهن الحريري على أن انتخاب رئيس في لبنان سيكون أفضل من الحال الآن. لكن هل سيقبل «حزب الله» بالحريري رئيساً للحكومة، أياً كان الرئيس من حليفيه عون أو فرنجية؟ يبدو أن الحريري يعتبر اتفاقه مع عون وليس مع «حزب الله» إذا وافق على الترشيح. وبما أن عون حليف مسيحي أساسي للحزب، وقراءة المعادلة الإقليمية في ظل هيمنة إيران والحزب على النفوذ في سورية ولبنان لن تجعل عون يترك «حزب الله»، فإذا قرر الحريري إعلان موافقته رسمياً على انتخاب عون يكون ذلك بالتفاهم معه ومن دون أي ضمانات من «حزب الله».
والحريري غير عازم في كل الأحوال على الحصول على أي شيء من هذا الحزب الحليف لإيران المخربة في الدول العربية كافة من لبنان إلى اليمن والعراق وسورية والبحرين. لا يمكن وضع الثقة بهذا الحزب وهو يقصف الشعب السوري الشقيق.
قد يكون رهان الحريري على علاقته مع عون، وأن الأخير إذا انتخب رئيساً فليست له مصلحة في افتعال مشكلة مع السُنّة منذ بداية عهده. لكنه رهان خطير لأن «حزب الله» قد يدفع عون إلى افتعال مشكلة مع الحريري. غير أن هذا الاحتمال لا يبدو كافياً لدفع الحريري إلى الانتظار فيما البلد مشلول. فهو غير مستعد للانتظار حتى نهاية الحرب في سورية أو تحسن العلاقة بين السعودية وإيران. تبدو خطوته أشبه بمن يقفز من الطابق العاشر بدل الطابق الثالث عشر.
الوضع في لبنان خطير في كل الأحوال، ولوحة الخيارات السيئة أمامه بالغة الصعوبة. فالرهان مرتبط بـ «حزب الله» الذي يهيمن على لبنان لسوء حظ هذا البلد، سواء انتخب الرئيس أم لم ينتخب لأن أوراق القوة والسلاح غير الشرعي بيده رغم كل ما يُقال. وربما ينتظر «حزب الله» إلى ما بعد الحرب السورية للتخلص من اتفاق الطائف واستبداله بالمثلث الشيعي – السني – المسيحي الذي يُحكى عنه منذ سنوات. لكن هذا أسهل مع رئيس رفض الطائف ومن دون الحريري الذي يسهل افتعال مشكلة معه إذا تولى رئاسة الحكومة، مثلما جرى بعد اتفاقية الدوحة. المستقبل لا يعد بالتفاؤل، لا مع رئيس ولا من دونه، ما دام «حزب الله» وإيران سيدي الموقف في لبنان.