Site icon IMLebanon

«سيناريو سيِّئ» في عهدة «مُخرج سيِّئ»؟!

 

 

 

توقفت مراجع ديبلوماسية أمام التطورات التي أدّت الى تأجيل الإستشارات النيابية الملزمة عشيّة مؤتمر باريس المخصّص لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته النقدية، بينما ما زال اللبنانيون يتبادلون نصب الفخاخ في غياب أي تفاهم يقود الى ولادة حكومة تحيي الثقة الداخلية والخارجية بالدولة ومؤسساتها. وهو ما عدّ من أسوأ السيناريوات التي وضعت في عهدة مخرج سيئ؟ فما الدافع الى هذه المعادلة؟

لم يَشأ أحد من المراقبين الديبلوماسيين الدخول في نقاش لتوزيع المسؤوليات على اللاعبين السياسيين في الملف الحكومي المتعثّر، وفضّل النظر الى الملف من بعيد ليوزّع المسؤوليات على مختلف الأطراف لمجرد فقدان الحد الأدنى من القواسم المشتركة التي توفّر قاعدة للانطلاق الى المخارج الممكنة، والتي تعزّز مقوّمات الصمود أمام حجم الاستحقاقات السلبية التي دخلتها البلاد على أكثر من مستوى، وليس أقلها تعدّد الأزمات بوجوهها المختلفة المالية والنقدية والاستشفائية والتربوية وصولاً الى ما يهدّد الأمنَين الأمني والاجتماعي.

 

عند توالي سقوط المرشّحين لدخول نادي رؤساء الحكومات الواحد تلو الآخر، لم يثبت بالوجه الشرعي أنّ البعض منهم سيصل الى النهاية الطبيعية للتكليف والتأليف. وعلى الرغم ممّا يتمتع به البعض من مواصفات تؤهّله لشغل المنصب في ظل المخاطر التي دخلتها البلاد، وتلك المرتقبة، بَقي في ذهن البعض انّ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري هو المؤهّل الوحيد لقيادة المرحلة. وعلى هذه القاعدة انقسم اللبنانيون عمودياً بين نظريتين:

 

– الأولى قالت إنّ علاقات الحريري الدولية تسمح له بأن يستعيد لبنان حضوره الإقليمي والدولي بالسرعة الممكنة، شرط أن تترك له حرية تشكيل الفريق الذي سيعاونه في المواجهة بالشروط التي يراها مناسبة، وهو ما جَسّده شخصياً بموقفه المتصلّب متمسّكاً بالحكومة التي يريد أن يترأسها رغم حجم المصاعب التي تحول دون هذه الرغبة.

 

– أمّا الثانية فتقول إنّ الحريري هو الشريك الأساسي في رسم وقيادة سلسلة الخيارات التي قادت الى ما نعيشه اليوم من مظاهر الأزمات المالية والإقتصادية التي تعيشها البلاد، وعليه أن يبقى الى جانب الآخرين في مواجهة تداعياتها بالشروط التي يراها هؤلاء بمعزل عن المتغيّرات التي أحدثتها الإنتفاضة الشعبية.

 

ولم يظهر أنّ أصحاب هذه النظرية مستعدون للنظر في تلبية مطالب الإنتفاضة، بل يرغبون في اختيار ما يريدون منها من دون أي ضمانة مسبقة.

 

عند هاتين النظريتين انحصرت المعالجات السياسية، ولم يقترح أحد الى اليوم اي صيغة فذة يمكن ان تقود الى خيار ثالث. وتجاهل الجميع حتى الأمس القريب حجم الأثمان التي دفعتها البلاد ودفعها اللبنانيون وصولاً الى ما نعيشه من مظاهر الأزمات المتعدّدة الوجوه من دون أن تقود أحدهم الى التنازل عمّا أراده.

 

ففي ظَنّ البعض أنّ المؤامرة على لبنان هي التي قادت الى هذه الانتفاضة، وانّ هناك من أشعلها لينتقم من العهد وداعميه، رغم الاعتراف بأنها ألقت الضوء على ما يعانيه جميع اللبنانيين من دون استثناء.

 

وعلى هذه الخلفيات، بقيت المعالجات قاصرة من دون توفير ما يمكن القيام به لملاقاة المجتمع الدولي، الذي لا يريد للبنان الوقوع في أي من المآزق العميقة، في وقت يعتقد البعض انّ لبنان بات في قعر تلك المآزق التي يحذرون منها، وهو عاجز عن النظر الى فوق حيث المخرج الآمن.

 

وعليه، لم يرَ الديبلوماسيون في كل ما جرى الى اليوم ما يعبّر عن فهم المسؤولين من أهل الحكم والحكومة حجم المأزق. وبدل ملاقاته في منتصف الطريق، هم عاجزون عن ملاقاة المجتمع الدولي بما يضمن بقاء الحماية التي تغنّوا بها لسنوات. فراكَموا الأخطاء التي هدّدت استمرار هذه الرعاية قبل المبادرة الفرنسية بالدعوة العاجلة الى مؤتمر باريس، وعادوا الى نغمات كان يعتقد البعض انها طويت او انها ليست في اولويات المرحلة، فتهاوَت المقترحات واحدة بعد أخرى وتعززت كل الخيارات السلبية.

 

ويضيف هؤلاء انّ ما هو مطروح اليوم بحصر الخيار بتكليف الرئيس الحريري دون غيره من المرشحين ما زال مظهراً من مظاهر المأزق. ونتيجة العجز في معالجة الوضع النقدي، توسّعت مروحة الإتهامات في اتجاه أكثر من طرف، فإلى الإتهام المباشر للحريري باستغلال الحراك لمصلحته والصعوبات النقدية والمالية لفرض وجهة نظره، إرتفع منسوب الاتهام لتحميله مسؤولية الرفض السني الكبير لكل البدائل التي طرحت، وحمّلوه مسؤولية تأجيل الاستشارات بعد سقوط آخر الخيارات المطروحة، رغم عدم قدرتهم على اجتراح الحل الذي يضع الحريري في صفوفهم ولو لفترة انتقالية يُبقون خلالها سلاح الأكثرية الذي في حوزتهم مصلتاً فوق رأسه. فهم ليسوا على استعداد للخوض في أي تجربة جديدة مع الحريري ما لم يُعد النظر في شكل الحكومة التي يمكن أن يترأسها.

 

وعلى هامش كل هذا النقاش الذي قد لا تكون له نهاية، يعتقد البعض انّ السيناريو الذي اعتمد لإسقاط بدائل الحريري كان سيئاً، ويوحي بإيقاظ المنطق المذهبي الذي توزّعت مظاهره بين بَتّ دار الفتوى التسمية للتكليف قبل التأليف بعد مرحلة من تدخّل الآخرين بالتأليف قبل التكليف، مع ما رافق الحراك الشعبي من مظاهر إيقاظ الفتنة التي رافقت الغزاوت على مواقع الاعتصام في وسط بيروت وبالرصاص الحي في مناطق أخرى، والتي شكّلت دافعاً الى هذه اليقظة المذهبية التي أنهَت مشوار البدائل من الحريري الى النهاية الحتمية. فقد بات واضحاً أنّ الحريري صار وحيداً على لائحة المكلفين بتشكيل الحكومة.

 

لذلك، فقد عدّ ما حصل من أسوأ السيناريوات التي جرت منذ اندلاع الأزمة وبإخراج سيئ، ليترك لمَن يريد توزيع الاتهامات هامشاً واسعاً يرضي فضول الراغبين في تبادلها مع الفخاخ، فهذا هو ملعب كثر من اللبنانيين لا ينافسهم فيه أحد.