IMLebanon

روائح كريهة في لبنان

 

ما نقلته الزميلة ناجية الحصري في «الحياة» يوم الخميس الفائت عن أجواء ورشة العمل التي نظمتها مفوضية اللاجئيين في بيروت للمساعدة في تغطية قصص اللاجئين السوريين في لبنان، يبعث على الذهول والخوف. ذاك أن روائح كريهة انبعثت في القاعة مصدرها الأول كان الصحافيون. ويبدو أن ما نقلته الزميلة كان غيضاً من فيض ما جرى، فمثلاً عندما رد مسؤول في المفوضية على إعلامية استحضرت في مداخلتها حادث اغتصاب وقتل عامل سوري شابة لبنانية، بأن قال أن إحصاء حالات الاغتصاب في لبنان يكشف أن السوريات كن ضحاياها باستثناء هذه الواقعة، بينما المقدمون عليها لبنانيون باستثناء هذه الواقعة أيضاً، فما كان من صحافية لبنانية، وهي أيضاً نجمة تلفزيونية، إلا أن قالت: «الاغتصاب ليس جزءاً من ثقافة المجتمع اللبناني».

والمذهل في ما قالت الصحافية جهاراً نهاراً، لا يقتصر على هذا الاختناق بلبنانيتها ودفعها هذه اللبنانية إلى مستويات مأزومة، بل يشمل هذا الجواب «القومجي» الحاسم، أي «الاغتصاب ليس جزءاً من ثقافة اللبنانيين»، جواباً ضمنياً موازياً مفاده أن «الاغتصاب هو جزء من الثقافة السورية». علماً أن هذه الصحافية كانت ذهبت مع دبابات النظام السوري إلى حمص وغطت من فوقها اقتحام النظام المدينة.

وبغض النظر عن ذكاء الصحافية في لحظة قولها أن «لا ثقافة اغتصاب في لبنان»، فهي عاجزة عن تحمل تبعات عنصريتها، ولهذا فهي تقولها وتهرب من مواجهة ما تمليه من غضب. لا جملة تعقبها لتدفع عنها التهمة. «لا ثقافة اغتصاب في لبنان»! لكن من قال أن هناك ثقافة اغتصاب؟ أو من قال أن «لا ثقافة اغتصاب»؟ لا أحد في الحالين سوى الصحافية الألمعية التي من أبسط قواعد مهنتها أن تجيب عن هذه البديهيات.

لكن الروائح الكريهة لم تقتصر على قول الصحافية، فثمة زميلة لها قالت أن السوريين في لبنان ينافسون المواطنين على فرص عملهم. قالت أنه حتى في مجال الصحافة ها هي محطة «أو.تي.في» توظف مصورين سوريين نظراً لرواتبهم المنخفضة. الـ «أو.تي.في» صاحبة الحملة على السوريين، وحاملة خطاب التحريض عليهم، توظف، بحسب الصحافية الزميلة التي صرفت من الصحيفة التي توقفت عن الصدور، سوريين بسبب انخفاض رواتبهم. هذه المعادلة تُلخص جزءاً من طبيعة علاقة لبنان بالعمال السوريين فيه. الحاجة إلى انخفاض رواتبهم في موازاة لغة عنصرية في الحديث عنهم.

والحال أن وزير خارجيتنا قال مطلع هذا الأسبوع، إننا نحن اللبنانيّين «عنصريون في لبنانيتنا»، وهذا قول يسهل على كل من يرغب في قول ما يريد قوله عن السوريين. فعندما يقول وزير خارجية بلد قولاً في بلده، فهو في هذه اللحظة يتحدث باسم البلد الذي فوضّه مهمة تمثيله في الخارج. «نحن عنصريون»، لم يتردد الوزير في قول ذلك. ممثل السياسة الخارجية اللبنانية قال أن اللبنانيين عنصريون في لبنانيتهم. الرجل ما زال في منصبه، لا بل هو في منصبه على نحو مضاعف.

واللافت أن الأصوات اللبنانية العالية في وجه اللاجئين السوريين هي في معظمها صادرة عن قوى قريبة من النظام في سورية، وعن مصالح لم تتردد يوماً في استغلال انخفاض أكلاف العمالة السورية في لبنان. لم يتجرأ هؤلاء يوماً على مفاتحة أسيادهم في النظام السوري حول مسؤوليته في إعادة اللاجئين إلى بلادهم، كما لم يكاشفوا مواطنيهم بما وفر عليهم توظيف سوريين في ورشاتهم وشركاتهم، وفي ذلك منتهى اللبنانية التي يقول وزير الخارجية إننا عنصريون من أجلها.

ثمة لبنانية أخرى يجب أن نبحث عنها. وإذا لم نجدها، فبلاد الله واسعة، ولبنان في هذه الحال يكون قد صُمّم لعنصرييه.