Site icon IMLebanon

مقتل بدر الدين أم مقتل حزب الله؟

اختار حزب الله الحكمة المكلفة. أًيا تكن الوقائع حول مقتل مصطفى بدر الدين٬ والجهة التي أنهت أسطورة من أساطير حزب الله٬ فإن القيمة السياسية لاتهام «التكفيريين»٬ ودلالاته٬ تبقى هي الأكثر لفًتا للانتباه.

لا نعرف٬ وقد لا نعرف٬ على وجه الدقة كيف قتل بدر الدين. هل قتلته لحظة سوء حظ ساخرة٬ حين أرداه بطريق الصدفة قصف مدفعي للمسلحين؟ الصدفة احتمال وارد في ضوء رواية القصف. أكان القصف طال مقر إقامته بالقرب من مطار دمشق بحسب بيان حزب الله٬ أو قصف واشتباك على جبهة «خان طومان» كما جاء في رواية جبهة النصرة التي تبنت قتله.

إذ من غير الواقعي أن يصدق أحد أن بدر الدين٬ الذي يقدمه الحزب بوصفه هدًفا لحرب عالمية تخوضها ضده دول وأجهزة مخابرات٬ منذ عقود٬ يمكن أن تصطاده تنظيمات تكفيرية حديثة النشأة٬ عبر الرصد والتخطيط المسبق والتصفية المتعمدة!!

وإذا كان كذلك٬ فمن وضع السكين على رقبة «الشبح» الذي رّوج حزب الله لشبيحته عن وجه حق؟ من الجهة التي أوصلت المعلومات المؤدية إلى مقتل بدر الدين؟ متى وصل إلى سوريا٬ وأين يقيم٬ وأفضل توقيت لقصف مقر إقامته٬ وإحداثيات قصف الموقع وغيرها من المعطيات التي لا يمكن الحصول عليها٬ إلا من خلال خرق أمني رفيع المستوى في دائرة بدر الدين نفسه!!

ما لم يكن قتل بدر الدين صدفة٬ فمن الحكمة أن يدفع حزب الله برواية التكفيريين قدًما. تكلفة إقلاق قواعده وكوادره حول مستوى الاختراق المحتمل في هرمية الحزب٬ والتي ستتعزز بعد لحاق بدر الدين بالقنطار٬ أقل من تكاليف أخرى٬ كاتهام إسرائيل مثلاً. اتهام إسرائيل هذه المرة يعني الحرب.

صحيح أن الحزب نجح في ابتلاع اغتيال عماد مغنية من دون رد٬ ثم اغتيال نجله وعدد من قادة الحزب٬ ثم القنطار٬ مكتفًيا بردين هزيلين رمزيين٬ لكنه ما عاد يحتمل أن يبرر عدم الرد الجاد على إسرائيل لو اتهمها باغتيال بدر الدين. يمكن القول إن قدرته على تبليع جمهوره مثل هذه الترهات باتت مشدودة إلى أقصاها٬ ويمكن للمزيد منها أن تدمر مصداقية الحزب في بيئته.

تبرئة إسرائيل أيًضا٬ وهي مفارقة عجيبة لحزب قد يتهم إسرائيل حتى بالمسؤولية عن ازدحام السير في الضاحية٬ تعفي الحزب من انفجار النقاش حول الدور الذي تلعبه موسكو في سوريا.

ليس خافًيا أن حزب الله الذي بالغ بداية في تقديم الدور الروسي٬ باعتباره دوًرا مركزًيا ضمن محور المقاومة٬ وأفضى لولادة «أبو علي بوتين» في المخيلة الشعبية لبيئته٬ يصطدم بشكل ملح بسؤال التنامي العلني للعلاقات الروسية الإسرائيلية! فمن يقاتل مع من؟ وأي أولوية تتقدم على أخرياتها: مصلحة محور المقاومة في سوريا أو مصلحة إسرائيل ضد مصلحة بعض مكونات المحور لا سيما حزب الله؟ هل تغض موسكو الطرف عن استهداف حزب الله٬ أم هي شريك في صناعة الاستهداف؟ كلها أسئلة تغلي في بيئة حزب الله٬ التي يحملها الحزب أكلاًفا لا تطاق في حرب ما عاد كثيرون يفهمونها.

لاحظوا أن بنيامين نتنياهو زار موسكو عشية دخول روسيا الحرب السورية في سبتمبر (أيلول) الماضي. ثم زارها مرة ثانية٬ ويتحضر خلال أيام لزيارة ثالثة.

وزارها وزير الدفاع الإسرائيلي والرئيس الإسرائيلي٬ وأعلن الطرفان عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة في سوريا. وأعلن فلاديمير بوتين بالصوت والصورة أن بلاده لا بد وأن تحترم مصالح إسرائيل!

في هذا السياق٬ المربك٬ والرجراج٬ فإن اتهام التكفيريين يخدم استدارة حزب الله الدعائية والعقائدية والوظيفية٬ وتحوله من «مقاومة» ضد إسرائيل إلى رأس  حربة الحروب الإيرانية في الإقليم٬ وتحديًدا في مواجهة السعودية. كانت الهتافات المعادية للسعودية طاغية في جنازة بدر الدين٬ وتؤذن أن التوظيف سيتم هنا٬ في هذه الحرب المعلنة على الدولة العربية القائدة لمحور المواجهة مع المشروع الإيراني!

وهو يخدم تالًيا إضفاء المزيد من المشروعية على حربه المكلفة في سوريا. بدر الدين٬ بمعنى ما هو عباس موسوي سوريا٬ أو راغب حربها٬ أو عماد مغنيها! الدم الذي به تبرر الحرب وتصنع رواية الدم والتضحية!

أي تلكؤ في بيئة حزب الله في دعم الحرب في سوريا٬ وهي بيئة قلقة٬ سيعني بعد اليوم خيانة لدم بدر الدين.

لكن المفارقة أن مقتل بدر الدين يضعف الرواية الأصلية لحزب الله٬ وهي أنه في سوريا لحماية ما يسمى المقاومة. طبًعا بوسع الدعاية السياسية لحزب الله أن تعتبر مقتل قائده العسكري٬ دليلاً على حجم التضحيات التي يبذلها الحزب لحماية بيئته وحماية لبنان. لكن ما لا يمكن تجاوزه٬ أن المغامرة السورية٬ بدل أن تحمي حزب الله٬ كبدته خسارة نخبة من قادته الأمنيين والعسكريين٬ فيما ليس واضًحا كيف أن نزًفا مماثلاً في جسد الحزب يحميه ويحمي بيئته!