عندما أطل الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في مناسبة “الجريح المقاوم” لم تكن تفصله عن نبأ مصرع مصطفى بدر الدين سوى ساعات قليلة. ثم أتى إعلان النبأ وترتيبات التشييع بما يرجح أن نصرالله كان على علم بالحدث لكنه مضى في اتجاه آخر هو موضوع الانتخابات البلدية والاختيارية التي لم تكن نتائجها في البقاع ما يسرّ. وما يعزز القول أن تعامل “حزب الله” مع مصرع بدر الدين لم يكن استثنائيا، وأن روزنامة الحزب ظلت محتفظة بأولوياتها بعد الاغتيال وفي طليعتها الحرب السورية التي جرى ربط بدر الدين بها وهو ما ركّز عليه بيان نعيّ الحزب عندما نسب الى بدر الدين قوله قبل شهور: “لن أعود من سوريا إلا شهيداً أو حاملاً راية النصر”. لكن حزب الله أو غيره لن يستطيع أن يلغي أن شهرة بدر الدين متأتية أيضا عن اتهام المحكمة الخاصة بلبنان له بضلوعه مع ثلاثة آخرين من الحزب في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005 وهو إتهام ما زال قاعدة عمل المحكمة منذ أعوام.
بين بدر الدين وعماد مغنية أحد أشهر قادة “حزب الله” السابقين زوج شقيقة الاول قاسم مشترك هو ان الاخير ارتبط بحسب ما تقول بعض المعلومات الاميركية بتفجير سفارة واشنطن في بيروت عام 1983 فيما ارتبط بدر الدين وفي العام نفسه بتفجير السفارة الاميركية في الكويت. وورد في تحقيق للـ”بي بي سي”: “… أفادت مزاعم بأن الرجلين (مغنية وبدر الدين) تعاونا معا في التفجير الذي استهدف مقر قوات مشاة البحرية الأميركية “المارينز” في بيروت في تشرين الأول عام 1983 وأودى بحياة 241 من أفراد المارينز”.
سقط مغنية في دمشق في شباط 2008 في تفجير عبوة ناسفة بسيارته ولم تسمح سلطات الرئيس بشار الاسد بإجراء تحقيق مشترك مع طهران، كما طلبت الاخيرة. ثم سقط بدر الدين بالامس قرب مطار دمشق فسارع سفير الاسد في لبنان الى نقل تعازيه الى “حزب الله” مشفوعة بـ”نذير الانتصار” بفعل دماء القائد الجديد للحزب.
في زمن النووي الايراني بعد الكيميائي السوري أثبتت تجارب الاعوام الاخيرة ان البيع والشراء مهنة أساسية لكسب ود السيد الاميركي. فهل كانت دماء مغنية ثمناً لمارينز بيروت لتكون دماء بدر الدين ثمنا لسفارة الكويت؟ في انتظار تحقيق يجلي غموض الاغتيال الجديد لا يبدو أن نصرالله قادر على فتح هذا الملف في عز الغرق في المستنقع السوري. حتى انه خاطب جمهور جرحى الحزب وكأن بقاءهم أحياء حرمانا لهم من شرف أكبر قائلا: “… أنتم ذهبتم لتستشهدوا وليس لتجرحوا. الشهيد وصل، أنت الله أعطاك فرصة، لكن حمّلك المسؤولية كي تكمل لتصل إليه”. ويفهم المرء من هذا الكلام أن بدر الدين مضى الى حيث سبقه كثيرون وسيلحقه كثيرون فداء لمشروع المرشد الايراني.