طهران تربط الأمن في المنطقة بأمنها وترفض أيّ مقايضة لا ضمانة بفراغ هادىء و«إسرائيل» قلقة من الهدوء الخادع
اذا كان ثمة شك لدى البعض بان لبنان غير موجود ضمن اولويات الدول الاقليمية والدولية، فان ما حصل في الاردن قبل ساعات قدم اكثر الادلة الحسية على عدم وجوده على «الطاولة». بعد اتفاق الترسيم البحري، لا تحضر الساحة اللبنانية الا في «العقل» الاسرائيلي الذي لا يزال يخشى من تنامي قدرات حزب الله العسكرية والامنية. اما الملف الرئاسي وخارطة الطريق المطلوبة لاعادة الانتظام السياسي والاقتصادي للبلاد فهي ليست على اجندة احد. خلو البيان الختامي لمؤتمر «بغداد2» من اي اشارة للازمة اللبنانية دليل واضح على ذلك، لكن المفارقة تبقى في ان الاشارة الوحيدة حول الملف اللبناني صدرت على نحو هامشي من خلال دعوة «لفظية» من قبل وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا للقادة السياسيين اللبنانيين إلى تحمل مسؤولياتهم والعمل على إجراء انتخابات سريعة لرئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاج إليها لبنان بشدة، بينما كان رئيسها ايمانويل ماكرون يصعد الموقف تجاه طهران من خلال دعوة علنية لبغداد إلى اتباع مسار آخر بعيد «عن نموذج يملى من الخارج»، ما يطرح الكثير من التساؤلات عن قدرة باريس على لعب دور محوري على الساحة اللبنانية في المستقبل اذا كانت تتبنى مواقف متطرفة تجاه الدورالايراني في المنطقة، وهو ما تتخوف من انعكاساته مصادر سياسية بارزة ترى ان ما جرى في عمان يشير بوضوح الى ان الازمة السياسية في لبنان ستكون طويلة ولا صحة لحصول «معجزة» مع بداية العام الجديد الا اذا حصلت تطورات مفاجئة غير متوقعة.
وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى ان التعثر الدبلوماسي «الفرنسي» يقابله في بيروت كلام غير قابل للصرف، منسوب للسفير السعودي الوليد البخاري في بكركي، على هامش تقديم التهنئة بعيد الميلاد للبطريرك بشارة الراعي امس الاول، حيث اكد على ضرورة انتخاب رئيس وتشكيل حكومة متعاونة لتحقيق الاصلاحات، متحدثا عن اتصالات مع باريس حول هذ الملف، لكن هل يكفي النقاش الدائر مع الفرنسيين في ظل القطيعة مع الايرانيين؟ وهل يمكن لفرنسا النجاح على الساحة اللبنانية فيما تحرض على طهران في العراق؟ طبعا لا يحتاج الجواب الى الكثير من العناء، فالنقاشات المستمرة منذ اشهر تدور في «حلقة مفرغة» لان واشنطن لم تمنح «الضوء الاخضر» للبحث الجدي في تسويات على الساحة اللبنانية راهنا، فيما الحوار مع ايران متعثر ولا يحقق اي تقدم. ولهذا لا يوجد اي مؤشر على امكانية تحقيق خرق في المدى القريب في ظل الاستمرار بالتمسك بمقاربات اثبتت فشلها.
وتكشف مصادر دبلوماسية، ان طهران اعادت تاكيد ثوابتها في قمة «البحر الميت» من خلال التاكيد على ان الاستقرار في المنطقة مرتبط باستقرارها الداخلي، وطالما يجري العبث بامنها فلن تمنح اي ضمانات لأحد. كما كان واضحا ان القيادة الايرانية ملتزمة مع حلفائها بعدم الدخول في اي صفقة على حسابهم، وابلغ وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان من يعينهم الامر رفض بلاده اي «مقايضة» بين الملف النووي واي قضية اخرى في المنطقة. وقد تكون ايران عاملا مساعدا لتقريب وجهات النظر في القضايا الشائكة في اليمن ، وسوريا، والعراق، ولبنان، الا انها لن تفاوض عن احد ولا تفرض وجهة نظرها او تضغط على احد. واي تسوية تحتاج الى مقدمات اساسية، وهي لا تبدو انها ناضجة بعد، بدليل عدم تلمس وجود رغبة سعودية جدية في اعادة تزخيم المفاوضات التي سبق واستضافتها بغداد، حيث لم تنجح المساعي الدبلوماسية التي شاركت فيها سلطنة عمان في جمع وزيري خارجية السعودية وايران على هامش القمة في الاردن.وفي غياب «الثقل» الدبلوماسي الوازن للدوحة،غير القادرة وحدها على احداث الاختراق المامول على الساحة اللبنانية، في غياب التعاون الاقليمي والدولي، تبقى محاولاتها الخجولة دون افق واضح، وهي تعرضت الى «نكسة» جديدة مع ارتكاب الفرنسيين «دعسة» دبلوماسية ناقصة من خلال تبني نهج «صدامي» مع الايرانيين سيؤدي الى تراجع دورها في لبنان، اذا لم تحصل مراجعة جدية في القريب العاجل. وهذا الشلل الخارجي يشير بوضوح الى ان لا «طبخة» جاهزة بعد وما على اللبنانيين الا مساعدة انفسهم لتقليل الخسائر في مرحلة الفراغ التي لا ضمانة ابدا بان تكون هادئة وبعيدة عن الاهتزازات الامنية والسياسية في منطقة لم تستقربعد اي من دولها.
وفي هذا السياق، توقفت تلك المصادر عند تحذير قيادات امنية اسرائيلية لرئيس الحكومة المقبلة بنيامين نتانياهو من الغرق في اوهام الشعورالمضلل من تبدد المخاطر في المنطقة، ووفقا لصحيفة «اسرائيل اليوم»، فان الرهان على ان اللاعبين الأساسيين الثلاثة (روسيا، وإيران، وحزب الله) يبدون مشغولين الآن، بمشاكل داخلية أكثر إلحاحاً، ليس الا «صورة مخادعة». فعلى الرغم من الحرب في أوكرانيا، لم يترك الروس المنطقة تماماً، وهم ينشغلون في هذه اللحظة في محاولة التوسط بين اردوغان والأسد، وعززوا تعاونهم مع طهران. اما الإيرانيون، فرغم المظاهرات في الداخل، يواصلون تصدير السلاح المتطور إلى حزب الله في لبنان الذي يواصل الاستعداد للمواجهة مع إسرائيل.ولهذا فأن «الإحساس» المضلل بأن الحرب في أوكرانيا جمدت الملفات الساخنة في الشرق الأوسط،غير صحيح، ولا تزال الازمات مفتوحة على امكانية الانزلاق الى تطورات قد لا تكون في حسابات احد. ولهذا لا يمكن للقيادات اللبنانية الرهان على الوقت، وعلى الخارج، لانضاج الحلول، لأن الفراغ قد يحمل معه تطورات امنية وعسكرية، تحتاج مواجهتها الى استقرار داخلي، لن يتحقق الا بحوار سيعيد طرحه بصيغ مبتكرة في العام الجديد رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يامل بتحقيق اختراق على ضفتي القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، او اقله على واحدة من ضفاف اكبر كتلتين مسيحيتين في مجلس النواب.