بدعوة كريمة من رئيس اتحاد الصحافيين العرب الزميل الاستاذ مؤيّد اللامي الذي هو في الوقت نفسه نقيب الصحافيين العراقيين.
لبّيت الدعوة شاكراً خصوصاً أنني منذ عام 1972 لم أذهب الى بغداد… حتى ولو مرّة، طبعاً لأسباب معروفة وهي انني كنت ضد الرئيس السابق صدام حسين، وأقف دائماً الى جانب موقف الرئيس حافظ الأسد رحمه الله، لأني أعتبر ان الأسد كان الرئيس العاقل الوحيد، ولا أذيع سرّاً اني كنت برفقة الأسد في زيارته الى جنيڤ للقاء الرئيس الاميركي جيمي كارتر عام 1994.. وبالمناسبة فإنّ الرئيس الأسد هو الرئيس الوحيد الذي لم يَزُرْ أميركا، بل التقى مع الرئيس كارتر في منتصف الطريق، أي في جنيڤ… وهنا لا بد من الإشارة الى ما قاله لي المرحوم الزعيم الرئيس صائب سلام عندما زرته في منزله في جنيڤ يومذاك، قال لي: «يا عوني هل جئت مع الرئيس حافظ الأسد؟» قلت: نعم. قال: «يا عوني الرئيس الأسد لا يحبني وأنا لا أحبه، وحين كنت رئيساً للحكومة في أوّل عهد المرحوم الرئيس سليمان فرنجية الكبير، عمل على إقالتي. ولكن دعني أقول لك: إنّ الرئيس حافظ الأسد داهية.. وكلمة داهية لا يوجد لها أي رديف في أي لغة في العالم… ولو جاء الأسد في مصر لحكم العالم كلّه».
بالعودة الى زيارتي لبغداد بعد 50 سنة تذكرت ما حصل معي في بغداد وكنت برفقة المرحوم الزميل الاستاذ حسن حميّة الذي كان مسؤولاً في الجامعة العربية عن الإعلام والذي انتقل الى أميركا ليعمل في الأمم المتحدة.
الفكرة للذهاب الى بغداد يومذاك كنت من الاستاذ حسن الذي قال لي: أريد أن أعرّفك على بعض المسؤولين العراقيين.
كان أوّل لقاء لنا، دعوة من وزارة الاعلام لحضور مؤتمر صحافي، أعْلِن فيه أنّ الدولة العراقية قررت تأميم النفط وإلغاء عقد الشركات الأجنبية وأهمها Britsh Petrolium الشركة البريطانية «BP». يومها أيضاً تعرفت الى الصحافي الكبير اريك رولو الوحيد الذي كان يجري مقابلات مع الزعيم الرئيس جمال عبد الناصر من دون موعد، علماً انه كان مصرياً يهودياً من الاسكندرية.
بعد المؤتمر قررت العودة الى بيروت، وقلت لزميلي الاستاذ حسن: «إني خائف على العراق من هذا القرار الذي أعتبره تاريخياً، ولكن الثمن الذي سيدفعه العراق والشعب العراقي سيكون كبيراً وباهظاً، وسوف يدخل العراق في سلسلة من الحروب تبدأ… ولكن لا أحد يعلم متى تنتهي…».
فعلاً ما كنت خائفاً منه حدث، إذ بعد دعم الجيش العراقي للجيش السوري في حرب 1973، ومنع سقوط دمشق بدأت المؤامرة على العراق، إذ خُلِع الشاه وجيء بالإمام آية الله الخميني، صاحب لعبة التشييع، ليبدأ حرباً مع العراق دامت 8 سنوات تحت شعار تشييع أهل السنّة، وحدث ما حدث…».
حتى ارتكب الرئيس صدّام حسين أكبر خطأ تاريخي في حياته، وهو احتلال الكويت، وكتبت يومها في «الشرق» مقالاً بعنوان: «السفاح يأمر الجيش العراقي بغزو الكويت، ويحوّل 100 ألف عسكري الى الكويت بدل فلسطين».
والجميع يعلم ماذا كلّف هذا القرار – الخطيئة العراق وأهلها، وماذا كلّف صدّام نفسه.. حين قرّر الرئيس الاميركي جورج بوش الابن غزو العراق وتدمير الجيش العراقي وتهديم ما يمكن من بنى تحتية للعراق، واحتلال دام سنوات، فقضى على ثروات العراق البشرية والمالية والنفطية والشعب العراقي.
في هذه الرحلة شعرت بفرحة اني عدت الى بغداد، ولكن وضع العراق ووضع الشعب العراقي محزن. فتدمير أغنى دولة عربية كان لمصلحة من؟ طبعاً لمصلحة إيران ومصلحة إسرائيل.
كل ما أتمناه بعد هذه الزيارة أن تعود العراق الى أهلها، وأن «تزول» المؤامرة الايرانية عنها، ويعود الفرس الى بلاد فارس، ويتركوا الشعب العراقي العربي الاصيل للعراق، الدولة الأكثر عروبة بين الدول العربية.