IMLebanon

بغداد والدواعش وإيران

وصف عضو مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين وجود الحرس الثوري الإيراني في العراق بـ«المخيف»، وخلال الأيام الأولى التي أعقبت سقوط الموصل عقبت عبر قناة «العربية الحدث» على إعلان الإدارة الأميركية عدم نيتها التدخل العسكري لمساندة بغداد بأن الإعلان يعني علامة خضراء للتدخل الإيراني. والحقيقة أن كل ما قيل عن تحجيم لدور الجنرال قاسم سليماني أو عزله أو اعتزاله كان مجرد تسريبات وتكهنات لا أساس لها من الصحة، فهو جزء لا يتجزأ من مفهوم وفلسفة «الثورة الإيرانية». ويعكس تصريح جون ماكين عدم مصداقية السياسيين الذين يدعون معارضة النفوذ الإيراني من بغداد وسبق أن وصفتهم بـ«زوار طهران ليلا»، فهؤلاء يقيمون تحت «عطف وحماية» سليماني.

الانهيار في الموصل كان مفزعا، إلا أن لنا تشخيصات علنية صوتية مسجلة تضمنت تحذيرات محددة وصريحة وواضحة للسياسيين المحليين الذين أعمتهم جهالتهم وأغوتهم قوى خارجية يمكن تدوين وصفها تحت لافتة الجهل والتآمر. والحالة المزرية التالية جاءت بسقوط تكريت قبل أن يصلها «الدواعش». وأي امرأة أمية عجوز من أرياف العراق يمكنها أن تقرأ المؤامرة وتتحدث عنها، وأسوأ المتآمرين كانوا من حملة جنسية عراقية لا يؤمنون بها! وهؤلاء لا يقلون خطرا عن «الدواعش»، إن لم يكونوا جزءا أساسيا منهم ولا يستحقون وصفا مميزا عن هذا.

القوات العراقية كانت في حالة صدمة وتحتاج إلى إسناد فوري، والإعلام العربي والدولي كان مشوشا، والمصطلحات كانت تقفز من وصف مفزع إلى آخر. وكل شيء كان سيئا وينذر بدخول «الدواعش» إلى قلب بغداد. إلا أن رؤيتنا بقيت واضحة باستحالة سقوط بغداد، وأسوأ سيناريو كان ممكنا تحققه هو الحصول على مواقع محددة ضمن الحالات المعتادة سابقا بالاستفادة من خلايا نائمة، وهو ما يقع ضمن قدرة المعالجة. وقد نبهنا في حينه علنا إلى أهمية الاحتفاظ بالاحتياطات المركزية للقوات في بغداد «في تلك المرحلة». وجاء الرد سريعا من المرجعية الدينية العليا بالدعوة إلى التطوع، وجاءت الاستجابة أفضل من كل التوقعات، فأصبح لدى الحكومة العراقية موارد شبابية ضخمة. أما المدد الثاني فجاء من إيران.

ولنتحدث بصراحة عن الدور الإيراني: لم يكن في وسع كل من يريد – من كل أطياف الشعب العراقي – وقف «الدواعش» ودحرهم معارضة الدعم الإيراني، وقد تلقى إقليم كردستان مساعدات إيرانية كبيرة وسريعة من الأسلحة والأشخاص بشكل وآخر. وفي بغداد انتشر مئات المستشارين ووحدات صغيرة من قوات العمليات الخاصة الإيرانية وبدأوا بالانتشار في قواطع عمليات ديالى وجنوب بغداد وشمالها وفي أطرافها الغربية، وساعد هذا الانتشار مع ثقلهم المعروف بين الكتل السياسية والمسلحة في تأمين عملية صد قلبت المعادلات سريعا. وفي المحصلة توقفت اندفاعات الطرف المقابل كليا، عدا مناطق غرب الأنبار، التي بقي النفوذ الإيراني ضعيفا. وبدأت طائرات الهجوم الأرضي الإيرانية تشن ضربات في مناطق سامراء وديالى، بشكل مباشر أحيانا، وتحت ستار إعادة طائرات «سوخوي» عراقية سبق إيداعها إلى إيران خلال حرب الخليج الثانية، أو تحت ستار حصول العراق على طائرات «سوخوي» من روسيا، وفعلا لوحظ وجود خبراء روس في قواعد جوية عراقية.

في ضوء هذه المعادلات، وفور استدارة «الدواعش» صوب أربيل وبدء انهيارات البيشمركة غرب الإقليم وحدوث تصدع كبير في معنويات الناس في أربيل، اضطرت أميركا إلى مراجعة حساباتها غير الدقيقة. لكن لا هي ولا غيرها تستطيع بعد الآن التأثير على الوجود الإيراني، ولفت انتباهي شيء مميز غير عادي، بالعمل على نطاق مؤثر من دون ضجيج! فلا محادثات لاسلكية تلتقط، ولا أدلة مادية عن حجوم غير عادية من تحرك القوات ترصد، ولولا الكشف الإيراني المقنن لبقي الناس في حيرة في فهم حقيقة ما يحدث على الأرض، إلا من له خبرة في السياقات العسكرية والاستخبارية الإيرانية.

الحقيقة التاريخية – بصرف النظر عن طعمها لهذا وذاك – هي أن الدعم الإيراني كان مؤثرا وأكبر كثيرا من المعلن، وهو ما ساعد العراقيين على تأمين مواقع صد وتقدم ناجحة رغم بطئها، أما الضربات الجوية للتحالف فكانت أكثر تأثيرا في غرب كردستان وشمال الموصل، إلا أنه لا دليل على تحرير مدينة سنجار من قبل البيشمركة، فالحاجة تدعو إلى صورة ناطقة.