هل هي زلّة لسان من مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي، أن «إيران أصبحت أمبراطورية كما كانت سابقاً وعاصمتها بغداد، وكلّ منطقة الشرق الأوسط إيرانية»؟
و هل مِن باب المصادفة أن يقول نائب طهران علي رضا زاكاني « إن أربع عواصم عربية أصبحت اليوم في يد إيران وتابعة لمبادئ الثورة الإسلامية»، في إشارة الى صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت؟ ولماذا تستمر إيران في اعتبار أن الجُزر الثلاث- المتنازع عليها مع الإمارات- هي جزر «إيرانية صرفة»؟
وما هي خلفيات إعلان أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن بلاده منعت سقوط دمشق وبغداد وأربيل، و«أن إيران باتت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق باب المندب»؟
تُشكّل هذه الباقة من التصريحات والتلميحات مؤشراً الى الفكر الجيو-استراتيجي الإيراني المبني على حلم تاريخي في إستعادة الأمبراطورية الفارسية الساسانية، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها قبل الإسلام. في الواقع التاريخي، ليست المرة الأولى التي تتوسّع إيران فيها جغرافياً وعسكرياً وسياسياً وثقافياً.
ففي عصر الأمبراطورية الاخمينية (648–330 ق.م) إحتل قوروش الثاني الكبير مملكة ماديا، ثم هاجمَ بابل قلب حضارة العالم القديم. بعد ذلك توسَّع إلى بلاد الشام، وغرب الأناضول إلى بحر إيجة.
ووصل شمالاً إلى جبال القوقاز، وشرقاً في آسيا الوسطى إلى أقصى ما وصلت إليه الحضارة. واحتل ابنه من بعده مصر، قبل أن ينشغل أحفادُه بحروب ضد اليونان وشعوب البحر الأسود. إلّا أنّ الإسكندر المقدوني دمَّر هذه الأمبراطورية نحو العام 330 ق.م.
أما في القرن السابع، فقد حكمت أمبراطورية الفرس الساسانية إيران وأخضعت الترك في بلاد ما وراء النهر، والعرب في العراق، واجتاحت بلاد الشام واستولت على بيت المقدس سنة 614م، ثم احتلت مصر سنة 616م.
غيرَ أن هرقل أمبراطور الروم لم يَستسلم، بل أعادَ تنظيمَ جيوشه وهزمَ الفرس في آسيا الصغرى سنة622م، واستعاد منهم سوريا ومصر سنة 625م، ثم هزمَهم هزيمة ساحقة سنة 627م قربَ أطلال نينوى، ما أدى إلى ثورة العاصمة ضد كسرى الثاني، ما اضطر خليفته شيرويه الى عقدِ صلحٍ مع هرقل.
ولم تستقر أحوال الدولة الفارسية بعد ذلك، إذ تكاثرت الثورات والإنقلابات الداخلية، حتى تعاقبَ على عرش فارس في السنوات التسع التالية أربعة عشر حاكماً، فتمزّقت أوصال دولة الفرس، وأجهز عليها العرب المسلمون في حركة الفتح.
اليوم، تُصنَّف إيران في المرتبة 23 في ميزان القوى العسكرية عالمياً، وتفرضُ نفسها كدولة إقليمية قوية لها نفوذها ومصالحها، وبرنامجها النووي. وتتواجد على مثلث إستراتيجي يَمتدّ مِن مضيق هرمز الى باب المندب الى البحر الأبيض المتوسط، هذا المثلث الحيوي عسكرياً وإقتصادياً على المستوى الدولي.
هل يُعيدُ التاريخ نفسه، أو إن للإيرانيين حسابات أخرى؟