يستحضر تنظيم «داعش» في حكم من يقيمون تحت رايته في سورية والعراق، أو الذين يطمع في ضمهم اليه، انواع الترهيب الأشد هولاً، مستوحياً في أساليبه الكثير مما شهده العراق في ماضيه البعيد، وعلى نحو خاص عندما اجتاحت بغداد جيوشُ المغول بقيادة هولاكو خان في القرن الثالث عشر، فأمعنت قتلاً وسبياً وتنكيلاً وإحراقاً، قبل ان يلقي الغزاة ما في بطون المكتبات من مخطوطات في مياه دجلة التي اسودّت بفعل الحبر الذائب، على ما يقول بعض الروايات التاريخية.
وآخر ما أخرجه التنظيم الذي عرف كيف يدخل الذعر الى قلوب «رعايا الدولة» من جعبته الترهيبية، كان تفجير مكتبة الموصل المركزية وقاعة الاعلام والمسرح في جامعة المدينة، وإحراق أكثر من مئة ألف كتاب في محافظة الانبار، وبينها وثائق ومخطوطات نادرة.
وكان «داعش» أحرق من قبل طياراً أردنياً ويهدد بإحراق مقاتلين اكراد أسرهم في شمال العراق، وأعدم المئات من المقاتلين والمدنيين برصاصات في الرأس او ذبحاً، مستعيداً بإسراف همجية تجمع الجلاد بضحيته من قرب، بعدما كان يُعتقد انها تراجعت نتيجة ابتكار آلات القتل الجمعي «غير المباشر» مثل قنابل الطائرات والصواريخ والمدفعية بأعيرتها المختلفة.
ولا يكتفي «داعش» عبر إحراقه الكتب والمكتبات، باستعارة الرغبة في محو الماضي التي سبقه اليها المغول عندما انقضّوا على مكتبات بغداد، بل قلد ايضاً تلوينهم مياه دجلة بحبر الكتب، فصبغ مياه البحر المتوسط بالدم الاحمر في شريط ذبح الاقباط المصريين الذي يقول بعض خبراء التصوير ان فيه الكثير من الصنعة.
وعمد ايضاً في الاطار نفسه، الى إعادة تقليد سبي النساء الذي كان سائداً في الحروب قبل قرون، وطبّقه على الأيزيديات وغيرهن، ممن وقعن في قبضته، بعدما قضى على رجالهن الذين استسلموا له. ثم باع بعضهن في سوق نخاسة حديث وقبض أثمانهن بالدولار، لأن العملة التي قيل انه صكّها لم تنتشر بعد.
ويقلد مقاتلو البغدادي جنود هولاكو الذين كانوا يقتلون من يستسلم لهم لمجرد انه أبدى مقاومة قبل ذلك. وسجل التاريخ إعمال المغول السيف في رقاب مئات الآلاف ممن سقطت معاقلهم الصغيرة في ايديهم اثناء الحملة على بلاد الإسلام وصولاً الى بغداد، على رغم وعدهم بالأمان إذا هم أوقفوا مقاومتهم. وهذا ما فعله الداعشيون بالجنود العراقيين الذين ألقوا أسلحتهم أملاً في البقاء على قيد الحياة.
واذا كان جيش هولاكو جمع في صفوفه الى جانب المغول، جنوداً صينيين وبوذيين ومسلمين من إثنيات وطوائف ومذاهب متعددة، هاجم بهم عاصمة العباسيين، فإن «الخليفة» البغدادي استقدم بدوره ارهابيين من مختلف اصقاع الارض، يرطنون بلغات مختلفة، بينها الانكليزية والروسية والشيشانية والفرنسية، وعرضهم في صور وأشرطة وهم يتحدثون بلغاتهم.
وقد يعني ذلك كله ان «الخليفة» معجب بهولاكو، أو يغار منه ويرغب في تجاوز سمعته التاريخية، ليكون الرجل الاكثر وحشية وهولاً وقدرة على القتل، متفوقاً بمراحل على معلميْه اسامة بن لادن وابو مصعب الزرقاوي، لجهة عدد ضحاياه وتنوع طرق إبادتهم.
وإذا كانت امبراطورية القائد المغولي الشاسعة بنيت بالحروب والغزوات المتواصلة، إلا انها كانت نتاجاً أصيلاً لحقبتها التاريخية، أما «خلافة» البغدادي التلميذ فقد لا يبقى منها قريباً سوى ذكرى سيئة وممقوتة، لأنها تسير عكس التاريخ، حتى لو برعت في استخدام تقنيات الفيديو الحديثة.