Site icon IMLebanon

البغدادي والموصل

قُتِلَ أبو بكر البغدادي، في شهر أيّار الماضي على ما أعلنت مراكز القرار العسكري في موسكو منذ نحو شهر، وإن كان إعلانها جاء بصيغة غير حاسمة.. ثم نشرت وكالة أنباء إيرانية صوراً لجثّة قالت إنّها تعود لزعيم «داعش» قبل عشرة أيام.. لكن هذا الـ«داعش» لم يرَ وقتاً مناسباً لتأكيد الخبر سوى مع سقوط الموصل!

أي كأنّه وهو المحترف والمحنّك في لعبة الإعلام والتسويق والتشويق، يريد القول إنّه صار غشيماً في هذا المجال التعبوي (؟!) وإن الانتصار عليه في مركز «دولته» يستدعي تتويجه من قِبَله هو، وليس من غيره! بالإعلان «الرسمي» عن مقتل «خليفته»!

والتزامن بين الأمرين فيه إنّ كبيرة، ولا يمكن إزاءها سوى التوقف قليلاً وإساءة الظنّ ببعض مدّعي أبوّة «الانتصار» على الإرهاب! باعتبار ذلك خدمةً للبشريّة جمعاء! وخصوصاً من جهة الإيرانيين الذين كانوا أوّل مَن نشرَ صور جثّة «الخليفة».. قبل أن يصدر الإعلان باسم «داعش» ليؤكد هوية صاحب الجثّة!

واللافت في قصّة الموصل كلها، هو أنّ الجنرال قاسم سليماني حرص على الظهور بمظهر والد «العريس»! والقيّم الأوّل على تفاصيل «عرس الانتصار»! بل إنه راح الى حديث حاسم باسم الجيش العراقي نفسه، مؤكداً أنّه «جيش يمكن الثقة به في الدفاع عن سيادة العراق (…) وهو لا يحتاج الى أي دعم خارجي أو أن تُملي عليه، أي جهة، أي شيء»!

وهذا حديث الجنرال سليماني. وليس رئيس وزراء العراق حيدر العبادي! ولا وزير الدفاع! ولا رئيس البرلمان! ولا رئيس الدولة! ولا قائد القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب! بحيث أنّ قائد «فيلق القدس» يعتبر نفسه معنياً بالعراق أكثر من أهله. ومؤهلاً للحديث باسمه واسم جيشه أكثر من المسؤولين المحليين! وإنه في توصيفه القائل بأن هذا «الجيش لا يحتاج الى أي دعم خارجي» يضع نفسه وبلاده خارج معادلة أصحاب ذلك الدعم الخارجي!

وتلك معضلة توضع في حساب العراقيين. وفي مرمى حساسيّتهم الوطنية والقومية! وفي سياق معاكس للنزعة السيادية التي أظهرها رئيس الوزراء العبّادي خلال زيارته الأخيرة الى السعودية مثلاً.. عندما أكّد أنّ بلاده لن تسمح باستغلالها في نزاعات كبرى «وقرارنا واضح بعدم تحويل أرضنا الى ميدان حروب بالنيابة (…) وإن علاقاتنا الخارجية مبنية على تغليب المصلحة العليا للعراق وشعبه».

يتبيّن يا عزيزي، أنّ للجانب الإيراني رأياً آخر في الموضوع! بل إنّ للجانب اللبناني الخاص بـ«حزب الله» أيضاً رأياً مماثلاً. وإنّ كلام «المصلحة العليا للعراق» لا يعني شيئاً عند صاحب القرار في طهران، وخارج معادلة «الهلال» المذهبي المنشود، والتي تعني (المعادلة) أنّها أكبر وأهم من الحدود السيادية للدول المستهدفة. وإن ولاية المرشد «الولي الفقيه» تمتدّ عبر تلك الحدود، ولا تتوقّف عندها، ولا تعترف بها، وتشمل برعايتها كل أهل المذهب في «أوطانهم»، شاؤوا أم أبوا!

والأغرب من ذلك، هو أنّ إيران تستعجل احتكار حصرية «الانتصار» في الموصل، مع أنّ المعركة فيها كانت جزءاً من حرب عالمية على الإرهاب، شارك فيها طيران حربي عربي وغربي كثير من الجوّ! «ومستشارون» عسكريّون أميركيّون وغير أميركيّين على الأرض! عدا عن أنّ الأمر في جملته ومحصلته، موضع جدل صِدامي كبير: طهران تضعه في سياق تعزيز نفوذها. والأميركيّون يضعونه في سياق التحضير الميداني لمواجهة ذلك النفوذ! وهم يقولون ذلك علناً وجهراً. ويعتبرون إيران ذاتها «الراعي الأوّل للإرهاب في العالم».

معركة الرقّة آتية. وفيها على ما يبدو لن يتمكّن صاحب الشأن الإيراني من تكبير ادّعاءاته.. ولا الإكثار من الصور الحدودية. ولا الخروج من التصنيف الأميركي له. ولا الاستمرار في إعطاء الحرب على الإرهاب، صبغة مذهبيّة واستفزازيّة واضحة!