بينما كان 11 أيلول الفرنسي يأخذ طريقه الى مجلس الامن الدولي كان تنظيم “داعش” يوسع دائرة حروبه التي حطت امس في مالي بأفريقيا حيث للفرنسيين حضور. لكن هذه الحروب التي تستند الى ان للتنظيم دولة خلافة عاصمتها الرقة السورية، سلطت الاضواء على عملية قطع دابره ابتداء من رأسه أي سوريا مما أثار قلقا في البيئة الحاضنة لرئيس النظام السوري بشار الأسد والتي تضم طهران وموسكو.
في أحدث معلومات من مصادر على صلة بموسكو تفيد أن الرئيس فلاديمير بوتين طرح على الأسد جديا أنه يتعيّن عليه في مرحلة من مراحل العملية السياسية المرتقبة في سوريا أن يتنازل عن كل صلاحياته الى الحكومة الانتقالية، الامر الذي أثار ارتيابا في طهران التي عبّرت عنه وفي أحدث معلومات أيضا في ما أوردته امس الزميلة “الاخبار” نقلا عمن أسمته “السياسي الايراني الرفيع المستوى والمكلّف ملفات المنطقة” قوله “ان الروس يبحثون عن مصالحهم قبل أي شيء آخر”.
بالطبع لا تعني هذه المعلومات أن العلاقة بين روسيا وإيران قد بلغت الافتراق، لكنها تشير بالتأكيد الى ان موجة الارهاب التي تحمل عنوان “داعش” والتي ضربت بعنف مفرط في الفترة الاخيرة أخذت الامور في اتجاه يجعل الذين يؤمنون بنظرية “المؤامرة” أن يحسبوا ان هناك حسابات تتخطى نوايا تنظيم “الدولة الاسلامية” وإن بدا الاخير أنه يريد أمرا آخر. فهذا التنظيم وجّه رسائل سورية كان أولها الى موسكو عبر اسقاط طائرة شرم الشيخ ثم الى طهران عبر التفجير المزدوج في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت ثم الى الغرب في عمليات القتل الواسعة في باريس.
كل طرف من الاطراف الثلاثة تلقف الرسالة على طريقته. فموسكو التي انغمست في الحرب السورية من دون أن تحسم شيئا حتى الآن تتلمس خلاصا في مسار فيينا بالامساك بالعصا من وسطها في محاولة للتوفيق بين محوريّ الأسد والمعارضة السورية. أما طهران التي اهتزت بفعل ما حصل في برج البراجنة فحاولت استيعابها لبنانيا بـ”ليونة” لفظية عبّر عنها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وخارجيا برفض الربط بين “داعش” والأسد والتمسك بأولوية “التصدي الحاد والمؤثر للارهاب” كما قال مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان. وتبقى الرسالة الى الغرب التي دفعت باريس الى مجلس الامن كما دفعت الرئيس الاميركي باراك اوباما الى القول انه لا يرى “موقفا يمكننا فيه إنهاء الحرب الاهلية في سوريا مع بقاء الأسد في السلطة”.
لا أحد يمكنه الجزم بأن مسلسل الرسائل الدموية وفي كل الاتجاهات قد توقف. وأكثر من يتحسب حاليا لها هو من يتورط مباشرة في سوريا وهما الامام خامنئي وبوتين اللذان عليهما تدبر عواقب التمسك بالأسد وبقاء “الخليفة” البغدادي. والاخير فخخ طهران وموسكو بأحزمة ناسفة قد تنفجر في أية لحظة.