طرابلس تعاني من هيمنة الأصنام السياسية الفاشلة
مع اقتراب الاستحقاق النيابي وتصاعد التوقعات وتسارع الخطوات الانتخابية، تعيش طرابلس حالة متداخلة من الاتصالات والتحركات السياسية والاجتماعية، تصبّ في اتجاه بحث القوى التي تعتزم خوض هذا الاستحقاق عن سبل تشكيل اللوائح ووسائل الاستقطاب الشعبي واستدعاء الخطاب الجاذب، بينما قلّة نادرة منها تعمل وفق نهجِ مؤسساتي يجمع بين الاستجابة لحاجات المواطنين في مواجهة الأزمة الضاغطة، وبين الخطاب السياسي السيادي الواضح.
ولا شكّ أنّ استقالة الدكتور مصطفى علوش من تيار المستقبل، وهو آخر أصحاب الخطاب السيادي في التيار، تركت آثارها على المستوى السياسي والانتخابي، حيث يفترض أن يقف في المساحة السيادية، بعيداً عن المجموعة التي تتشكل من بقايا التيار الأزرق، لأنّ هؤلاء لا يختلفون بشيء عن سلوك التيار الذي أفضى إلى رفض الناس للتنازلات وللفشل الذريع في تأمين الحقوق.
بعبارة أخرى، لا يستطيع قياديون في تيار المستقبل أن يهربوا من المساءلة الجماهيرية على أساس أنّهم استقالوا من التيار، وبالتالي فإنهم لا يحملون أوزارهم ولا تثقلهم خطاياه السياسي والإنمائية، بل هم جزء لا يتجزأ من منظومة شاركت وتلوثت بكلّ مفاسد السلطة.
في هذه الأجواء تعمل حركة «سوا للبنان» في طرابلس على مستويات متكاملة، منها الاقتصادي والاجتماعي ومنها السياسي الانتخابي العام.
فعلى الصعيد الاجتماعي، وبعد أن افتتحت الحركة مكتبها في طرابلس، أطلقت حواراً مع فعاليات المدينة، ومبادرة تستهدف إحياء صناعة المفروشات والحرفيات الطرابلسية، كما يتواصل مسؤولو الحركة مع رئيس البلدية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية للبحث في كيفية إيجاد سبل المساعدة للمواطنين على الصمود في هذه الأزمة التي تجتاح البلد.
واقع طرابلس الرديء: سياسيون خرّبوا ويحاربون التغيير
في نظرة متأنية لواقع طرابلس السياسي والاجتماعي، ومع حالة الإفلاس التي تعيشها الأحزاب والتيارات المتربعة على عرش التمثيل النيابي، وهي التي سجّلت في مسيرتها فشلاً ذريعاً وإخفاقاتٍ تاريخيةً على جميع المستويات، فإنّها تعمل جاهدة لتعيد إنتاج نفسها ولإعاقة أي عامل تغيير في المجتمع.
وفي هذا الإطار، تأتي الحملات التي تستهدف عمل ونشاط حركة «سوا للبنان» التي باتت تنشط في عمق المجتمع الطرابلسي وفي أوساط العائلات والجمعيات الأهلية، وهي توغلت عميقاً في المناطق الشعبية واستقطبت وجوهاً مؤثرة وفاعلة، وهذا ما أثار قلق الأحزاب السلطوية، والجهات المؤيدة سياسياً لـ«حزب الله»، فاللافت هنا أنّ هذه الأطراف التي انغمست في السلطة باتت على خطّ تحالف واقعي يستهدف إجهاض عمل الحركة، واستباق خطوات بهاء الحريري للتموضع السياسي في المدينة.
استباحة الفيحاء.. وتواطؤ النواب
اللافت في وضع طرابلس، أنّ الأحزاب والتيارات السياسية شكّلت أسوأ أنواع الفراغ السياسي والإنمائي، حتى أصبح وجودها أسوأ من عدمها، وهكذا تحوّل نوابها إلى ما يشبه الدمى وشهود الزور، والذين امتنعوا عن القيام بواجباتهم السياسية والإنمائية، لا بل تواطأ بعضهم على حقوق أبناء المدينة، وتركوها نهباً لطغيان جبران باسيل الذي استباح مؤسساتها ومواقعها الإدارية والوظيفية حتى لم يبق منها موقع لأبناء طرابلس، وهذا ينطبق على القطاع التربوي والطاقة، وخاصة الكهرباء والمياه…
طيف رفيق الحريري الذي يحنُّ إليه الناس
وفي ظلّ هذا الفراغ السياسي القاتل، يأتي حضور حركة «سوا للبنان» في طرابلس، معزّزة بإرادة واضحة من بهاء الحريري بالعمل وفق منطق مؤسساتي لإحداث تغيير إيجابي في السياسة والإنماء، وبالانفتاح على مجتمعها المدني والاقتصادي.
ولا شكّ أنّ القواعد الشعبية في تيار المستقبل، وبعد أن أصبحت سياسات قيادته مثار انتقاد واضح، خاصة بعد الانزلاق نحو الفراغ المقصود، ومحاولة الالتفاف على المحاسبة الانتخابية، التي يفترض أن تنال التيار بسبب فشله الهائل على جميع المستويات.
لذلك، فإنّ حضور بهاء رفيق الحريري يحمل الكثير من الأمل والتّفاؤل لدى أبناء طرابلس بإمكانية عودة نموذج الاستنهاض الوطني، وإن بظروف شديدة الاختلاف عن تجربة الرئيس الشهيد، وهي حتماً شديدة الاختلاف عن تجربة الرئيس سعد الحريري التي انتهت إلى ما نعانيه من كوارث وفشل.