IMLebanon

بين رفيق وبهاء الحريري… هل يُشبه الحاضر الماضي؟

 

 

يَجهد بهاء الحريري لاستحضار الظروف نفسها التي قدِم خلالها والده رفيق الحريري الى المشهد السياسي اللبناني مع استتباب السلم الأهلي، ليحلّ رئيسا للحكومة في خريف العام 1992 وركناً لا غنى عنه في اللعبة السياسية الداخلية ولاعباً خارجياً أكبر من بلده ما صاغ ربما نهايته المأساوية..

 

الإبن البكر يبدو جادّاً في قراره وراثة الحريرية السياسية وهو يأتي من نجاح في قطاع الأعمال محاكياً تجربة الوالد ومن قرب من دوائر القرار السعودي، لكنه يفتقد الى عوامل عدة من بينها دور الأب والمؤسس في مرحلة ما قبل الظهور العلنيّ والحقيقي له الذي يعود الى ثمانينيات القرن الماضي، ما مهد له دوره اللبناني لا سيما ذاك الذي أداه في إقرار إتفاق الطائف الذي رعته الرياض على أراضيها.

 

على أن افتقاد بهاء الحريري لهذا الدور السابق على حلول والده رئيسا للحكومة يعوض عنه الإبن البكر عبر رفع شعار الطائف نفسه ومعه العناوين الجذابة التي رفعها الأب وعلى رأسها إنهاض البلد من كارثته الاقتصادية على غرار ما فعل مؤسس المسيرة بعد وضع الحرب الأهلية أوزارها.

 

رعاية دولية وإقليمية للأب

 

مع حلول الحريري الأب في حياة اللبنانيين قبل نحو 30 عاماً الذي لم يكن تفصيلاً مع مرور 17 عاماً على اغتياله،تشخصت الأبصار نحوه مع إغداقه الوعود في ربيع آت عمل في سبيله، لكن عاكسته مؤشراته التي ظهرت في ذلك الحين مثلما عاكست كل الرهانات التي بُنيت على استقرار إقليمي وهدوء داخلي يجعل من الحريرية مشروع إنقاذ حقيقي للبلد.

 

هو الرهان نفسه الذي يتخذه الإبن البكر غير مُقرٍ بفشل التجربة، لا بل يريد استعادة ظروفها التي تختلف جوهرياً عمّا هي عليه اليوم. ذلك أن السنوات القليلة التي فصلت بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والتي خاضها الأب، حملت انقلابا في المشهد الدولي والاقليمي ومعهما لبنان طبعا.

 

فقد عبّدت تلك المتغيرات الطريق أمام رفيق الحريري مع انطواء الصفحة الاخيرة من الحرب الأهلية في خضم انهيار المعسكر الشرقي والأحادية الأميركية، دولياً، وسقوط المشروع العسكري العراقي وصعود ذاك الخليجي ومعه السوري، إقليمياً. فحضر الرجل في لبنان على بساط تفاهم سوري، عسكري، وسعودي رعائي، وضوء أخضر أميركي عرفاناً بالجميل السوري في تحرير الكويت العام 1991.

 

وبذلك تقاطعت الظروف على حلول رفيق الحريري سريعاً على زعامة السنّة في لبنان ومعه أعاد هؤلاء اكتشاف الذات بعد سنوات عجاف وهزائم عسكرية، تحت عنوان جذاب بالنهضة وأمل باستعادة دور مفقود أقله منذ الانسحاب الفلسطيني في العام 1982..

 

رأت شرائح سنّية واسعة في الحريري الأب مُخلّصا من مرحلة أرادوا من ذاكرتهم ركنها بعيداً وشرعوا في الحلم مع مؤسس نهضتهم الحديثة وعاشوا كما اللبنانيين مع الرجل بناء الدولة والمؤسسات والإعمار وتأمين الخدمات وازدهار اقتصادي وسياحي، وحضور عربي ودولي.

 

يريد بهاء الحريري الذي لم يُعرف حتى اللحظة ما إذا تم تبنيه سعوديا وخليجيا وإن كان من الواضح أن لا معارضة ظاهرة له كما هو الحال مع شقيقه سعد، التشبّه بوالده في هذه العناوين الجذابة خاصة في مرحلة مأساوية للبنانيين اقتصاديا واجتماعيا وماليا ومعيشيا. لكن الظروف ليست نفسها والرعاية الدولية الإقليمية غير متوفرة كما كانت للأب ومعها حضرت الخصومات مع جميع الكبار داخلياً ناهيك عن عدم وحدة العائلة نفسها وراءه..

 

«سوا».. «مستقبل» جديد؟

 

على أن بهاء الحريري يعمل أيضاً على تقليد الوالد في التنظيم السياسي المستند الى تلك العناوين البراقة مع حركة إنشائه حركة «سوا للبنان» التي تشبه اليوم بدايات تأسيس التيار السياسي للوالد. التنظيم الذي اتخذ وقتا قبل تبلوره نحو تيار سياسي تنظيمي ونحو حزب سياسي ما لبث أن تلقى الضربة الاول مع اغتيال المؤسس، وها هو يتلقى الضربة الأشد مع انزواء رئيسه اليوم سعد الحريري عن المشهد، ما قد يوجه ضربة قاصمة له.

 

وبعد مرحلة بالكاد أُنجزت على صعيد «تيار المستقبل» مع رحلة في السياسة بما تتطلبه من تنظيم وتأطير وجديّة في الانخراط والإيمان بالمشروع، يغتنم بهاء الحريري الفرصة للحلول وجدانياً مكان الوالد المؤسس، وفعلياً على كرسي شقيقه سعد، مستعينا بخاصية ميّزت رفيق الحريري وهي انفتاحه الطائفي والمذهبي ومناداته بمشروع وطني سلمي.

 

السنّة بين قلبهم والعقل

 

اليوم ومع غياب سعد الحريري، يفتقد السنة للزعيم، ليضيف ذلك المزيد من الإحباط من هزائم داخلية وإقليمية يظهر بهاء الحريري فجأة ليحاول ملء الفراغ أو أقله سد بعض الفجوة بين طموحات طائفة مؤسسة في الوطن ودورها المُفتقد.

 

سيكون مفهوماً التنازع في مشاعر السنّة من الآن فصاعداً، قد تستمر قلوبهم مع سعد الحريري وتستقر عقولهم مع بهاء الحريري، لكن الأهم يبقى في الإجابة على سؤال جوهري: هل سيتمكن بهاء الحريري من الحلول ركناً في السياسة اللبنانية انطلاقاً من الانتخابات النيابية ومع خطاب عالي النبرة تجاه منظومة الحكم وخاصة في وجه «حزب الله»؟

 

براغماتية الحُكم

 

ستؤجَّل الإجابة على ذلك طويلا، فالموضوع لا يتعلق فقد بالانتخابات، بل أن المؤكد أن خيارات الخطاب من الخارج هي غيرها ضرورات الحكم في الداخل. ورغم نفي بهاء الحريري أي صلة ستنشأ مع الطبقة الحاكمة، فإن نجاحه في أداء الدور الذي يريده سيكون مرتبطاً ببراغماتية تعقد تفاهمات وربما تحالفات مستقبلية قد تُصاغ حتى مع أكثر الأطراف التي يخاصمها بهاء الحريري.

 

وبذلك على الإبن البكر تتبع خطى الوالد بدقة والأخير حصل منذ ما قبل حلوله رئيسا للحكومة على حضانة عربية ودولية وصاغ علاقات واسعة مع الأطراف المحليين المؤثرين وعلى رأسهم النظام السوري الراعي للأمن اللبناني ومعه اللاعبين المحليين على ضفتي النزاع الاهلي.

 

هذا في موازاة رفع شعارات رنّانة سنياً مثل إعادة الطائفة السنية الى محوريتها السياسية والحفاظ على الطائف وعودة لبنان الى حضنه العربي، وجذابة لبنانياً كالدولة الحديثة وتفعيل المؤسسات وشعارات إصلاحية تجتذب اهتمام المؤسسات الدولية التي استند عليها مشروع الأب، مع اغتنام فرصة تبني عناوين انتفاضة 17 تشرين الأول 2019.

 

لكن أهم شروط إطلاق صافرة البداية لنجاح تلك العودة سيكون بلا شك العودة الى الوطن، وبانتظار نضوج ظروف العودة تبقى الإجابة على كل الأسئلة مؤجلة الى مرحلة لاحقة.