واصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إطلاق مواقفه النارية التحذيرية من روما بعدما صمّت الطبقة الحاكمة آذانها عن سماع صوت الناس.
لم يتفاجأ الراعي وخلال زيارته الأخيرة باستكمال مسلسل الإنهيار المالي والإقتصادي وضرب آخر بنيان الدولة، فالسلطة لم تقدم على أيّ خطوة إصلاحية، كذلك كان الحدث إعلان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله تصنيع الطائرات المسيّرة والإستعداد لبيعها لمن يرغب، ومن ثمّ تطييرها فوق إسرائيل وكأن لا وجود لجيش أو دولة.
وتعتبر بكركي أن الخطر على ما تبقّى من الدولة يأتي من الفساد ومن السلاح غير الشرعي الذي يمتلكه «حزب الله»، لذلك لم يعد من مجال للسكوت عن هذه التصرفات، والتصرّف كأن الدولة غير موجودة.
وفي سياق زيارته إلى روما برز لقاؤه مع رجل الأعمال بهاء الحريري، والذي تناول أبرز القضايا التي تطال لبنان.
وفي التفاصيل، فإن هناك علاقة ممتازة نشأت بين البطريرك الراعي وبهاء الحريري منذ مدّة، لكنّ الحريري لم يكن في لبنان، ولذلك فإن التواصل والتشاور كانا يحصلان عن بُعد، خصوصاً أن بهاء الحريري كما كل أشقائه إبتعد عن المشهد السياسي بعدما اختارت العائلة توريث سعد في العام 2005، وقد بدأ إطلاق المواقف النارية عندما أُبرمت التسوية مع العماد ميشال عون و»حزب الله»، وقد قرر العمل مباشرة في السياسة بعدما أعلن شقيقه سعد الإنسحاب من الحياة السياسية.
من هنا، فإنّ الراعي الذي عايش زمن الإنكفاء المسيحي خلال مرحلة الإحتلال السوري، لا يريد أن يتكرّر المشهد نفسه مع الطائفة السنية التي تعتبر من الطوائف المهمة والأساسية، لذلك فإنه يتعامل مع من تختاره هذه الطائفة، وخصوصاً أن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان دعا السنّة إلى عدم مقاطعة الإنتخابات.
وإذا كان التواصل بين سيّد الصرح وبهاء الحريري قديماً، إلا أنّ ما عزّز هذه العلاقة هو الموقف المتقدّم الذي اتخذه بهاء في تأييد طروحات الراعي، ففي حين أطلق الراعي النداء الشهير في تموز من العام 2020 مطالباً بالحياد وفك أسر الشرعية، سارع بهاء إلى تأييد مواقف الراعي قبل بعض الزعماء المسيحيين المؤيدين لـ»حزب الله» والذين حاولوا الإلتفاف على مواقف بكركي وإعلانهم تأييد التحييد وليس الحياد.
إذاً، تنطلق العلاقة بين الراعي وبهاء الحريري من منطلق وطني وليس طائفياً، فهي ليست علاقة بين رأس الكنيسة المارونية وبين من يرغب في أن يكون زعيم السنّة، فالراعي يتكلّم بالوطنية والحريري لا يريد التقوقع، لذلك فإن التفاهم كان سهلاً بين الرجلين.
وتبدو خريطة طريق الحلّ واضحة بين الرجلين، وهذا ما تمّ الإتفاق عليه خلال اللقاء، وهذه الخريطة تبدأ بتطبيق «الطائف» ونزع سلاح الميليشيات وتحييد لبنان عن الصراعات واستعادة علاقاته العربية والدولية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، ومحاربة الفساد.
أما النقطة الداخلية الأهم فهي عدم السماح بتأجيل الإنتخابات، ومن ضمن هذه النقطة عدم ترك الساحة السنية لمصيرها، بل إن هناك قراراً بخوض الإنتخابات وهذا ما أكّده بهاء الحريري الذي يستعدّ للعودة إلى لبنان في أقرب وقت لاستكمال المواجهة الوطنية وإعادة لبنان إلى الخريطة العربية والدولية، وبالتالي فإنّ فكرة المقاطعة السنية غير مطروحة، بل إن الإنتخابات محطة مهمة لمواجهة مشروع «الدويلة» وتحقيق الإصلاح المنشود.