بعكس ما ظنّ الجميع، فان رجل الاعمال بهاء الحريري مستمرّ بلعب دوره في الحياة السياسية اللبنانية وإن بشكل مختلف عما كان سائداً في السابق، منطلقاً من دعوة اللبنانيين إلى التصويت بكثافة في الإنتخابات النيابية.
ليس هدف بهاء إرتداء عباءة الزعامة السنية، أو الدخول في نادي كبار سياسيي لبنان، أو تأليف كتلة وازنة تقاتل في أول إستحقاق حكومي من أجل التفاوض على مقاعد وزارية وخطف حقائب سيادية أو خدماتية دسمة أو طرح نفسه كمرشّح للرئاسة الثالثة، فالرجل يملك ما لديه من نفوذ مالي وعلاقات مع القوى المؤثّرة بناها على مدى السنوات الماضية وبعضها ورثها من والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إنما الأساس بالنسبة اليه هو فتح صفحة جديدة في الحياة الوطنية اللبنانية.
كان باستطاعة بهاء الحريري بالأمس أن يُطلق الصرخة ويعتبر أن الطائفة في خطر وخصوصاً بعد اعتكاف الرئيس سعد الحريري، وهو يملك الشرعية العائلية عندما هتفت الجماهير له بعد استشهاد والده ليكمل الدرب، لكن الحريري الإبن، وعلى رغم كل مغريات وراثة الزعامة السنية والحريرية، فضّل العمل بأسلوب مختلف تماماً عن التقليد المتوارث.
حمل احتفال «الفورم دي بيروت» لحركة «سوا للبنان» مناسبة دلائل عدّة، الإشارة الأولى هي أن «النزلة» على الأرض إنطلقت وحان الموعد الرسمي للعمل للإنتخابات وليس فقط بالعناوين العامة.
أما الإشارة الثانية، فهي لجم كل الشائعات التي أكّدت أن بهاء الحريري إنسحب من الحياة السياسية، فأرادها مناسبة جديدة يطلّ عبرها ليؤكّد عزمه على المضي قدماً في السياسة وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء بل إن مشروعه طويل الأمد.
هذا في الشق الشخصي، أما عملياً، فان بهاء الحريري أراد القول إن عمله ليس فقط بالإتكال على شخصه، بل من ضمن مؤسسة ناشطة في المجتمع، لذلك ولدت حركة «سوا للبنان»، وباشرت نشاطها على الأرض.
أما في العناوين السياسية والوطنية، فالإحتفال حمل عناوين عدة أولها دعم إنتفاضة الشعب اللبناني التي تفجّرت في 17 تشرين، والتأكيد أن الشعب ليس متروكاً لقدره وهناك من يستطيع حضّه على الإستمرار بالمطالبة بحقوقه.
ووطنياً أيضاً، فان معركة إسقاط المنظومة تبنتها حركة «سوا للبنان» وحكماً بهاء الحريري، لذلك فان عناوين المعركة واضحة وهي محاربة مافيا المال والسلاح، من هنا فان الإنتخابات تشكّل فرصة لتحقيق هذه الأهداف، لذلك فان دعم «سوا» للمرشحين سيكون على امتداد المناطق والطوائف ولن يقتصر الأمر فقط على الساحة السنية.
وأمام كل هذه الوقائع، فان الحريري قال كلمته ومشى، وعنوانه الأساسي محاربة المافيا الحاكمة وتحقيق مشروع الدولة وإعادة علاقات لبنان العربية والدولية، وهناك خريطة طريق لتحقيق هذه الأهداف، وهذا الأمر لا يقع على عاتقه فقط، بل على عاتق كل المجموعة التي يعمل معها، لذلك أراد من مجموعة «سوا للبنان» ان تكون تشاركية وبعيدة عن منطق الرئيس والمرؤوس مثل كل الأحزاب والتيارات والقوى السياسية، لذلك فان طريقة تعامله مع هذه المجموعة تتمثّل بأنه عضو منهم وليس رئيسهم، ولديها بنيتها الهرمية ومن ضمنها مجلس امناء.
بالطبع ان بهاء الحريري لا ينكر التاريخ، ولذلك فان ما أسسه والده سيكمل العمل به من ناحية دخول السياسة من باب الوطنية وليس الطائفية، لكنّه لا يريد بالمقابل أن تكون حركة «سوا للبنان» نسخة جديدة من تيار «المستقبل»، فهو يعمل بعيداً عن منطق الوراثة للزعامة، بل إن هدفه هو تحقيق خرق ما في جدار السلطة.
قد يكون مهرجان «الفورم» أجاب عن معظم التساؤلات وحدّد خريطة طريق المرحلة المقبلة، لكن الأساس يبقى أن بهاء الحريري إختار طريقة عمل جديدة وصوّب عنوان مواجهته، ويبقى أمل كل الشعب بتحقيق التغيير.