Site icon IMLebanon

بهاء الحريري و”المسار”: تحديات كبرى تواجه نضوج المشروع والمناخ الإقليمي والدولي

 

 

 

وصل بهاء رفيق الحريري إلى لبنان وباشر حركته في بيروت بعد قراءة الفاتحة على ضريح والده الشهيد وأداء صلاة الجمعة في مسجد محمد الأمين برمزيته الشخصية والدينية، وبذلك يكون قد حسم الجدل الذي ثار حول عودته لإطلاق عمله السياسي بعد محاولاتٍ سابقة من الخارج وعلى الأرجح، فإنّ عودته جاءت بعد نضوجٍ حصل في الأجواء الدولية والإقليمية يجعل عمله اليوم أكثر جدوى وفاعلية، خاصة أنّ التطورات الحاصلة في فلسطين تحمل مخاطر كبيرة وينبغي العمل على ملء الفراغ الناشئ عن الخروج غير المنظم لتيار المستقبل من الحياة السياسية وما يستلزم هذه المرحلة من حضور وعمل سياسي خارج الدوائر القائمة حالياً، كونها لم تستطع تغطية كامل الساحة اللبنانية سياسياً وتنموياً.

قدرات ذاتية واستقبالات دافئة

ولعلّ ما يميِّز مشروع بهاء الحريري أنّه يعمل لتوفير الأجواء الخارجية المناسِبة لمشروعه السياسي الذي أصبح ناضجاً وواضحاً في السياسة والتنمية، لكن الأهم هو أنّه يستمدّ طاقته من إمكاناته الذاتية، وهذا يجعله مستقلّ القرار ويحصّن عمله من الاختراق والفساد بعد تجارب العمل من الخارج التي كشفت للحريري حقائق كثيرة ودفعته لوضع قواعد جديدة تساعد في المرونة وتحصِّن مشروعه من المفسدين.

من المتوقع أن يلقى بهاء الحريري استقبالاً دافئاً في المناطق التي سيزورها، وقد بدأت أجواء التواصل الإيجابي تتوالى مع مكوّنات هامة وكبيرة، وعلى رأسها العشائر العربية، حيث يتوقع أن يكون لقاؤها معه مفصلياً ومؤشِّراً إلى تعاون واسع مع المكوِّنات السنية الكبرى الممتدّة على مساحة الوطن، بالإضافة إلى الهيئات والنُّخب الفاعلة التي ستحمل أفكارها وهموم من تمثِّل للبحث معه في ما يمكن فعلُه على المستوى التنموي والاجتماعي والصحي والتربوي والاقتصادي..

التخريب من بعض الدولة العميقة

يمكن اعتبار حملات التطاول والتجنّي التي يتعرّض لها بهاء الحريري أموراً بسيطة بالقياس إلى ما واجهه وسيلقاه من عراقيل في تنفيذ المشاريع التنموية الحيوية التي يريد من خلالها إحداث تغيير إيجابيّ في حياة المواطنين، فهناك الكمائن الرابضة في مفاصل الدولة ووزاراتها، والتي عمل وسيعمل القائمون بها على تعطيل أي مشروع من هذا النوع، فقط لإظهار بهاء الحريري عاجزاً عن الإنجاز، من دون أن يأخذوا بعين الاعتبار الأضرار التي ستصيب من يحتاجون هذه الخدمات، فإذا هم يمنعون الخير ولا يقومون به، تماماً كما حصل عندما عطّل «تحالف الأذى» إنجاز مركز غسيل الكلى في الضنية.

لم يكن هذا المشروع الوحيد الذي عطّله «تحالف الأذى» مما يوجب البحث في استراتيجية مختلفة للوصول إلى تحقيق وإنجاز مشاريع تنموية تلبي حاجة الناس، وإنشاء تحالفات للخير والبرّ والإنماء تحصِّن مسيرة بهاء الحريري وتجعل الهيمنة للمبادرات الإنمائية التي تشمل الجميع بدون تمييز.

 

في العمق تكمن تحديات كثيرة ستواجه بهاء الحريري في مساره السياسي والتنموي، لكنّه يتقوّى بما يجده لدى الناس من حرصٍ على تحصين مشروعه من الثغرات التي باتت معروفة، وتستدعي الانتباه، وخاصة استخدام العُدَّة البالية والاعتماد على «المفاتيح» وتكديس الأشخاص على حساب النوعية والكفاءة والجدارة والقدرة على المبادرة والإنجاز في الشأن العام.

قطبٌ سياسي يتقدّم

تدريجياً، سيفرض بهاء الحريري نفسه قُطباً فاعلاً في السياسة اللبنانية، وسيبقى هناك من يلجأ إلى أساليب التفريغ والتقليل من قيمة ما يجري، بينما عموم الناس في لبنان والمناطق السنية خصوصاً يترقبون خطوات الرجل ويلاقونه لدعم حركته في مسارها الناهض، آملين أن تتشكّل من الكفاءات التواقة للعمل من أجل مجتمعها ومن أجل لبنان.

لا يقف بهاء الحريري في مساحة الإحراج بين العلمانية والتديّن برفعه شعار الاعتدال لا يوازي مخاصمته للدين والمتدينين، بل هناك موقف موحد جامع بين دار الفتوى والهيئات الإسلامية ضدّ التطرف وهو الموقف نفسه الذي يتبناه الجميع.

 

كما لا يقف بهاء في مساحة الإحراج العائلية، فـ»سعد أخوه وحبيبه» والأخير عمّم على من يعنيهم الأمر عدم التعرّض لأخيه، مع انسياب أجواء المصالحة العائلية التي سحبت البساط من تحت أقدام مثيري الفتن الذين يفتقدون لأيّ غطاء أزرق، سوى بعض المتضرّرين الذين لا يتقنون سوى الاصطياد في المياه العكرة.

في مواقفه الأولى أعطى بهاء الحريري المؤشرات، وأهمّها التمسّك بالوحدة الوطنية و«العمل على إعادة العاصمة منارة تجمع اللبنانيين.. ولا ننسى جنوب لبنان الصامد وأهله الكرام الذين لن نتخلى عنهم وسنقف إلى جانبهم لإعادة بناء الجنوب وتحصينه وحمايته من العدوان الغاشم الذي يتعرض له»، مفرِّقاً بين الإشكال السياسي مع «حزب الله» فيما يخصّ سلاحه، وبين ضرورة احتضان أهل الجنوب.

 

لا يستطيع بهاء الحريري وحده إعادة إعمار الجنوب، فهل كان في موقفه هذا مؤشِّرٌ عربيّ كامن؟ هذا ما ستكشفه الأيام.

مسألة أخيرة في هذا النقاش:

يحسم بعض السياسيين السابقين، مباشرة، وعبر مواقع لهم، أنّ حركة بهاء الحريري محكومة بالفشل، وبأنّ طريقه في السياسة مسدود.

ولنفرض جدلاً أنّ الأمر كذلك، ماذا يضير هؤلاء المصطفين معاً لإطلاق النار على الرجل أن يأتي ويحاول ويفشل، وإذا كانوا واثقين من فشله، فلماذا كلّ هذا القلق والتوتر والاستهداف؟

من الناحية الفعلية، تخدم هذه الحرب الإستباقية بهاء الحريري، لأنّها تُشعِر الناس بمظلومتيه كونه يتعرّض لحملة افتراءات غير مبرّرة وغير منطقية، ولأنّها تدفع الكثيرين إلى كسر التردّد في الانفتاح على حركته، ليبقى الامتحان في ما إذا كان سينجح في «مساره» السياسي ويتمكّن من ترسيخ وجوده السياسي أم لا.. وهذا رهن الأيام المقبلة.

في السياسة، من المبكِّر التوقع حول مآلات عودة بهاء الحريري، لكن يُحسَب له أنّه تجرّأ على الإقدام في لحظاتٍ محلية وإقليمية ودولية حرِجة، يسود فيها التخلّي والانكشاف، ليأتي محاوِلاً استنقاذ ما يمكن إنقاذه وخلق توازن مفقود يحتاج إلى عزيمة وإصرار، وهنا يكمن الامتحان الكبير لهذه الحركة الوليدة.