لم يعد هناك مجال للمساكنة بين حكومة الرئيس حسان دياب والوضع الإقتصادي والإجتماعي في ظلّ الإستمرار بالأخطاء ومحاولة تغيير وجه لبنان وإلحاقه بمحور يتهاوى ولا يستطيع إنقاذ نفسه.
لكن ما يدعو إلى الإستغراب أكثر هو لماذا لم يتحرّك الشارع بعد كل هذه الأزمة الإقتصادية الخانقة خصوصاً أن التحليلات تتحدّث عن أن هذه الأزمة في بداياتها ولم تصل إلى الذروة، كما أن هناك طبقات باتت في قعر القعر وتتكل على “صندوق إعاشة” من هنا أو هناك لتواجه الجوع.
وما يظهر جلياً أن الحراك الشعبي الذي يحصل أخيراً في المناطق هو متقطّع ومن دون تنظيم ولا يُعبّر عن المزاج العام لدى اللبنانيين المنزعجين من الوضع الإقتصادي، ومن يحرّك الشارع هو مجموعات مناطقية منها معلوم ومنها مجهول، لكن الأكيد أن هذه المجموعات لا تتواصل بين بعضها البعض ولا توجد قيادة موحّدة ومنظمة لها.
وفي التفاصيل، فإن لكل منطقة وحتى طائفة حراكها الخاص، والرصد يظهر اختلافاً في المجموعات بين منطقة وأخرى، في حين أن وضع القوى السياسية المعارضة والتي تشكّل الرافعة لأي حراك شعبي يتأرجح بين المشاركة من حين إلى آخر.
وترصد الأجهزة الأمنية تحركاً في المناطق السنية أكثر من بقية المناطق وذلك لأن نسبة الفقر مرتفعة، والمناطق التي تشهد حراكاً هي طرابلس وعكار والبقاع وبيروت الغربية وإقليم الخروب، وتقود هذا الحراك مجموعات تعمل لصالح بهاء الحريري، وباتت تتحرّك علناً وهي تنظّم صفوفها في المناطق السنية ولديها القدرة المالية على التظاهر ونقل متظاهرين من منطقة إلى أخرى.
وإذ تبدو الأجهزة، وخصوصاً الجيش، على بيّنة من تحركات تلك المجموعات لأنها معروفة وتُظهر علناً تحركاتها على الأرض، فاللافت أيضاً بحسب الأجهزة الأمنية أن مجموعات بهاء هي من تتحرّك في ساحل الشوف وتقطع طريق بيروت – الجنوب، وهي تنشط في إقليم الخروب، بينما لا يشارك “الحزب التقدّمي الإشتراكي” في التحركات الأخيرة، لا سيما وأن رئيس الحزب وليد جنبلاط الذي كان مناصروه فاعلين في حراك 17 تشرين يريد تهدئة الأوضاع، وبالتالي لا يبادر محازبوه إلى قطع الطرق في الجبل، كما أن حراك مناصريه إنخفض بشكل كبير ويشارك قسم ضئيل منهم في التحركات الشعبية.
وفي حين أن حراك مناصري الحزب “الشيوعي” والجماعات اليسارية كان يتركّز في الجنوب وخصوصاً في كفررمان وكذلك في العاصمة بيروت، إلاّ أن الرصد الأمني وحتى السياسي يُظهر تراجعاً في حضور “الشيوعي” في ساحة رياض الصلح مقابل الإبقاء على بعض التحركات في الحمرا وذلك لمواجهة ما يعتبرونه حكم المصرف، لكن بالإجمال فإن الهمّة الشيوعية واليسارية والإشتراكية قد تراجعت.
أما مسيحياً، فإن الطاسة “ضايعة”، إذ لا يوجد قرار فعلي من الأحزاب المعارضة وعلى رأسها “القوات اللبنانية” بإشعال الأرض حالياً، والحراك الذي يحصل في الزوق وجل الديب وبعض المناطق هو حراك فرديّ على رغم مشاركة بعض شباب “القوات” و”الكتائب” فيه، وهذا ما يفسّر الهدوء الذي تعيشه المناطق المسيحية من بشري وزغرتا مروراً بالبترون والكورة وجبيل وكسروان وصولاً إلى المتن وبعبدا، حيث لا يوجد قرار سياسي مسيحي حتى الساعة بالتصعيد.
بات الجميع على يقين أن الأزمة الإقتصادية خانقة لكنها غير كافية لتحريك الشارع خصوصاً أن الشعب اللبناني مسيّس إلى أقصى درجة وينتظر أن يجتمع العامل السياسي مع الإقتصادي ليتحرك مجدداً ويصنع حراكاً متجدداً.