شكّلت إنتخابات نقابة المهندسين في الشمال أمس الأول، بارقة أمل مستقبلية، بغضّ النظر عن النتيجة، لأنها أثبتت أن المجتمع لا يزال حيوياً وبإمكانه تنظيم انتخابات نيابية وبلدية واختيارية ورئاسية العام المقبل.
لا يستقيم أي مجتمع ديموقراطي من دون وجود نقابات وأحزاب وتيارات فاعلة، وبالتالي فإن كل نظرية “الشعبويّين” ممّن ركبوا على “ظهر” الثورة وحرفوها عن مسارها ساقطة، خصوصاً عندما كانوا يردّدون: “ما بدنا أحزاب وما بدنا سياسيين”، في حين أن المطلب الأساسي كان يجب أن يكون محصوراً بضرورة تفعيل العمل الحزبي الصحيح مثل الدول الراقية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وكل الدول الغربية، والمطالبة بأن يقود المسيرة سياسيون نظيفو الكفّ ويطالبون بحرية بلدهم وسيادته واستقلاله.
ولا يمكن قراءة نتيجة إنتخابات نقابة المهندسين في الشمال، والتي أسفرت عن فوز المهندس بهاء حرب وأعضاء لائحته المدعومة من “القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل” وعدد من القوى السياسية والثورية إلا من زاوية الأرقام ومن الزاوية السياسية.
فبالنسبة إلى الأرقام، كانت المنافسة الأساسية محصورة بين حرب وبين النقيب السابق فؤاد ضاهر، فأتت النتيجة صادمة إذ حصد حرب 1136 صوتاً في حين لم ينل ضاهر سوى 655 صوتاً، أي ان حرب نال تقريباً ضعف رقم ضاهر، وهذه سابقة لم تحصل في الإنتخابات الماضية في النقابة، وتعود إلى الدعم السياسي والنقابي الواسع الذي تلقّاه حرب، إضافة إلى نشاطه المستمر والذي افتتحه منذ عامين ونصف العام تحضيراً لهذه المعركة، في وقت نال المرشح طوني الفغالي (شقيق أورور الفغالي) الذي دعمه جزء من “التيار الوطني الحرّ” وعدد من القوى 199 صوتاً فقط.
أما الأهم فهو قراءة النتيجة من الناحية السياسية والثورية، فقد فضحت هذه الإنتخابات، بحسب عدد من الفاعلين في النقابة، زيف إدعاءات بعض من يصفون أنفسهم بالثوار وحاولوا الإلتفاف حول ضاهر مستعينين بـ”بروباغندا” تشويه صورة الخصم من دون تقديم بديل، وهؤلاء بأغلبهم كانوا ينتمون أو يستفيدون سابقاً من أحزاب وتيارات مثل “المستقبل” و”القوات” وبعض الشيوعيين والقوميين.
ولم يستطع هؤلاء نقل تجربة إنتخابات نقابة المحامين مع ملحم خلف من نقابة بيروت إلى نقابة مهندسي الشمال، فحاولوا أولاً تشويه صورة بهاء حرب سياسياً عبر القول إنه مرشّح الأحزاب والسلطة، علماً أنه عندما أعلن ترشحه رسمياً العام الماضي تبنّى المطالب الشعبية، وكذلك هناك أحزاب وقوى سياسية موجودة حالياً في المعارضة وعلى رأسها “القوات اللبنانية” تدعمه.
أما النقطة الثانية التي حاولوا التصويب فيها على حرب فكانت الإدعاء بانه كان ينتمي سابقاً إلى الحزب “السوري القومي الإجتماعي”، متناسين أنه خاض الإنتخابات البلدية في بلدته تنورين العام 2016 متحالفاً مع النائب السابق بطرس حرب الذي يُعتبر من أهم صقور 14 آذار، وكان مرشح هذه القوى في إنتخابات العام 2007 لرئاسة الجمهورية، كما أنّ بهاء حرب دعم علناً لائحة تحالف “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” و”اليسار الديموقراطي” في إنتخابات 2018 الأخيرة، كما أنه من أقرب المقرّبين من الرئيس سعد الحريري، ويصبّ رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل غضبه عليه نظراً لأنه لم يقف معه في الإنتخابات الأخيرة.
وما يدعو إلى العجب أكثر أن الحزب “السوري القومي الإجتماعي” كان لديه مرشح حزبي على لائحة ضاهر هو ألكسي منصور الذي نال 731 صوتاً فكيف يكون حرب مرشّح “السوري القومي”؟
ومن جهة أخرى كيف يكون ضاهر مرشّح الثورة ويحظى بدعم الحزب “السوري القومي” والحزب “الشيوعي” و”اليسار الممانع” وقسم من مهندسي “التيار الوطني الحرّ” الذي لم يتخذ قراراً حزبياً واضحاً، وبالتالي فإن كل هذه العوامل وأبرزها دعم الأحزاب التي لا تؤمن بنهائية لبنان إضافة إلى “البروباغندا” التي أتت من شخصيات معروفة الإنتماء السياسي سابقاً، فضحت اللعبة وأدت إلى فوز حرب في الإنتخابات برقم قياسي.
قد يكون حرب نجح في جمع عدد من القوى السياسية حول برنامج نقابي وليس حول برنامج سياسي، لكن الأكيد أن هذه الإنتخابات أسقطت كل الشعبوية التي يحاول البعض القيام بها، فمن يدّعي أنه “الثورة” لم يستطع تركيب لائحة مقنعة، بل اكتفى بتشويه صورة الخصم، وكذلك لم يقف الأمر عند هذا الحدّ بل إنّ الأرقام فضحت قوّته الحقيقية وحجمه، في حين بادر هؤلاء إلى رمي فشلهم على الآخرين. وبدل أن يعترفوا بأخطائهم بادروا إلى إتهام المهندسين بالرشى والتبعية بينما يُشكّل المهندس فخراً لكل لبناني، حيث يُعتبر أنه ساهم في الثورة العمرانية ليس فقط في لبنان بل في الخليج ودول العالم أجمع.
ويُبدي النقيب الجديد بهاء حرب في حديثه إلى “نداء الوطن” إرتياحه لنتائج الإنتخابات، مشيراً إلى أنه عمل بكدّ وجهد منذ أكثر من عامين ونصف العام وحصد النتيجة الآن وكانت مفاجئة للجميع لأنها إستثنائية.
ولا يأبه حرب لكل الحملات التي سيقت ضدّه، ويعد بأنه سيكشف كل التفاصيل قريباً وبالأسماء، ويأسف لأن هذه الحملات أتت من أشخاص يضعون أنفسهم في خانة الثورة، بينما الحقيقة أنهم يستعملون وجع الناس للمتاجرة ولتحقيق مكاسب، ولم تقدّم أي شيء.
ويعتبر حرب أن الكلام عن دفع أموال للمهندسين “معيب بحقنا”، فالمهندس اللبناني يتألّق في كل دول العالم بينما يعمل بعض الموتورين على تشويه صورته لحسابات إنتخابية. ويسأل: “ماذا يضايقهم إذا نجحت في جمع القوى السياسية والثورية في لائحة واحدة، فالثوّار الحقيقيون كانوا إلى جانبي بينما الوصوليون معروف موقعهم؟”.
ويتعجّب حرب لاتهامه بأنه مرشّح “الحزب السوري القومي”، ويقول: “إذا أتتك مذمّة من ناقص فهي الشهادة بعينها، فكيف أكون مرشّح القومي، ومرشحه على اللائحة الثانية كاد أن يخرقنا؟ لكن الشمس طالعة والناس قاشعة وانكشف أمر من أطلق هذه الدعاية وقد أتت من حليف الحزب “القومي” في إنتخابات 2000 و2018 النيابية، لكن في النهاية أنا نقيب للمهندسين بفعل ثقة زملائي”. ولا يُنكر حرب فضل مهندسي بلدته عليه، وهو يشكر كل المهندسين المستقلّين والذين يدورون في فلك “القوات” والنائب السابق بطرس حرب وكل القوى، “فجميعهم وقفوا معي واضعين الحسابات السياسية جانباً وغير آبهين لبعض الحاقدين، كما أن مهندسي “التيار الوطني الحرّ” في تنورين دعموني على رغم عدم دعم “التيار” لي وإنقسامهم خارج بلدتي بين المرشح ضاهر والفغالي، وبالتالي أهم ما فعلته أنني نجحت بجمع أبناء بلدتي وبات هناك نقيب من تنورين سيعمل لكل مهندسي بلدته والشمال ولبنان”.
يعتبر النقيب حرب أن رحلة التحدّي النقابي بدأت حالياً وهو يريد إبعاد السياسة عن النقابة، وبالتالي فإن كل الكلام عن إمكان ترشّحه للنيابة أو الطموح لمنصب وزاري لا أساس له من الصحة، بل إنّ الإتجاه بعد إنتهاء الولاية النقابية إلى شغل منصب رفيع في الأمم المتحدة يؤكّد انه سيكشف عنه لاحقاً.