IMLebanon

يحق لبهاء العمل السياسي ولا يجوز له تكرار أخطاء سعد

 

أهل السُّنة وإشكالية البديل:المجتمع السُّني زاخر بالطاقات

 

 

كان الشعار الأبرز عند مؤيدي الرئيس سعد الحريري بعد إعلان «تعليقه» المشاركة في الحياة السياسية هو تحدي معارضيه، السياديين منهم تحديداً، بأن يتمكنوا من تشكيل بديل فوري يملأ الفراغ الذي خلّفه انسحاب تيار المستقبل من المعترك الانتخابي، وأن يتمكن هؤلاء من معالجة الكوارث التي خلّفتها سياسات قيادتهم على مدى 17 عاماً على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية.

 

ولدى التأمل في هذا الطرح يرى المرء العجب العجاب.

 

فهؤلاء الذين يستمرون في المكابرة وفي رمي أسباب الفشل على سواهم، يريدون من شخصيات ومجموعات مضطهدة من «حزب الله» ومحاصرة من تيار المستقبل على مدى عقود، أن تتمكن من الحلول مكان تيار المستقبل متجاهلين الحقائق الآتية:

 

أنّ تيار استند في تأسيسه على إرث عظيم هو إرث الشهيد رفيق الحريري في السياسة والعلاقات والمال، بل إنّ ما حصل عليه سعد من دعم وتأييد واحتضان، فاق ما كان قد حصّله والده الشهيد بنضاله ونحته في السياسة على صخور لبنان، لكنّ من تولى أمره على مدى السنوات حتى وصل السيف إلى عنق التيار، بعد أن طارت الشركات والمؤسسات وأُغلقت أبواب المنابر الإعلامية من تلفزيون وصحيفة، بينما تلفظ إذاعة الشرق أنفاسها على موجات الأثير.

 

أنّ الفرص التي نالها سعد الحريري رغم أخطائه المميتة لا تُعدُّ ولا تُحصى، ولم يصل إلى الخروج السياسي، إلاّ بعد أن وصل السيل الزُّبى، ولم يعد الداخل ولا الخارج يحتملان هذه السياسة الفوضوية التي لم تخدم سوى الخصوم.

 

أنّ سعد الحريري من دون إرثه الشخصي، وبالاستناد فقط إلى أدائه السياسي، كان أشبه بنموذج جبران باسيل الذي لم يستطع النجاح إلاّ بعد تعديل القانون الانتخابي على مقياسه، والمفارقة أنّ سعد هو الذي دفع نحو هذا القانون الذي كان من أكبر مؤشرات خروجه من الملعب.

 

من هنا، فإنّ مطالبة المعارضين من قوى مدنية وشخصيات سياسية أو إعلامية بتكوين البديل الفوري عن تيار المستقبل هو هرطقة تحمل الكثير من الوقاحة، فلو أنّ هؤلاء يملكون حسّاً وطنياً وضميراً حياً، لاعتذروا عن ارتكاباتهم ولحثوا على وجوههم التراب خجلاً مما تركوه للناس من خراب بائن.

 

الأَولى بمؤيدي وأتباع الرئيس الحريري أن يلتزموا قراره بالانسحاب من الساحة بدل إثارة الغبار عبر الشاشات وفي المواقع.

 

مخاض ولادة البديل

 

على الجبهة الأخرى، فإنّ مخاض تشكيل حالة معارضة سيادية لا بدّ له أن يمرّ بسلسلة تكوينات متداخلة بين التأثيرات المحلية والخارجية، في ضوء التحولات التي يشهدها البلد، وخاصة مع الاشتداد المتوقع للمواجهة بين العرب وإيران، حيث لا بدّ من تحديد الموقف واعتماد سياسات متكاملة توفر عناصر الصمود للبيئة السنية، وتطوي مرحلة الخنوع والإحباط، وتدخل عميقاً في سبل تأمين التكافل الاجتماعي، مع السعي إلى تنظيم حالة الاعتراض الاغترابية، ونقلها من المساهمة الإنسانية إلى الانخراط في عملية التغيير السياسي.

ad

 

كما أنّ العناصر المشتركة في الخطاب السياسي يجب أن تطغى على السطح، حتى لو كان قانون الانتخاب يفرض تنافساً حاداً في بعض المواطن والمواضع.

 

مشاركة بهاء في السياسة: طبيعية ولكن

 

من حقّ بهاء الحريري أن يعمل في السياسة، لكن لا يجوز له تكرار أخطاء سعد، سواء من خلال البطانة أو من خلال السياسات، فالتجربة لا تزال ماثلة والكوارث الناتجة عنها لا تحتاج إلى توضيح. فتنقية الصفوف والمثابرة على استقطاب الطاقات في مختلف المجالات أمر أساس، وهو المدخل الصحيح لإحياء النبض في الجسد السني المنهك بالهزائم المصطنعة، والالتحام مع قضايا الناس هو المدخل لفتح أبوابهم وقلوبهم، ومظاهرُ الهرميات في التعامل مع شعب تسحقه الأزمات أول عوامل الفشل.

 

كما أنّ من محدّدات النجاح أن يجتنب بهاء الحريري الانزلاق إلى مستنقع الصراعات والخلافات مع من انتمى إلى «الحريرية الوطنية» وتموضع بعيداً عن سعد، أو تحفظ على حركة بهاء. فهذا أمرٌ طبيعي في إطار انتظار ما يكون من مشروعه السياسي وسلوكه العملي، وبعضُ الصدامات التي وقعت في هذا المجال تؤذي الجميع وليس فيها مصلحة وهي تضيّع البوصلة عن المواجهة الحقيقية وأين يجب أن تكون.

 

من العناصر الهامة في مقاربة بهاء الحريري للواقع أن يأخذ العبرة من فشل محاولات سعد تغريب أهل السنة وفرض مشاريع مخالفة لثقافتهم وانتمائهم، وعزل دار الفتوى وتحويلها منصة تأثير سياسي، وهذا ينبغي أن يجد له مكاناً في الخطاب والأداء السياسي المبكر.

 

لا يمكن سلبُ بهاء حقه في العمل السياسي، ولا تجريدُه من نسبه إلى رفيق الحريري، ولا تخوينه لأنّه قرّر التعبير عن مواقف ذات طابع سياسي أو وطني، وتصويره على أنّه غدر بأخيه على هذه الخلفية، قصور وتعصّب أعمى لا مبرِّر له، والانسياق في هذا النقاش لا يؤدي إلى مكان، خاصة إذا قرّر بهاء دخول المعترك السياسي بشكل جدي ومباشر.

 

مع انسحاب سعد، يمتلك بهاء فرص نجاح ضمن معايير ومسار يأخذ بعين الاعتبار حقائق الواقع السياسي والاجتماعي، ويخرج على السلوك التقليدي المبني على التنافس على ما يسمى المفاتيح الانتخابية، بينما الأغلبية الصامتة خارج دائرة الاهتمام بالخطاب أو بالتواصل.

 

لن يستطيع بهاء وحده ملء الفراغ الراهن في الساحة السنية، لكنّ هذا المكوّن العريق في الكيان اللبناني زاخر بالطاقات ويمتلك المؤهلات لإبراز خيارات وبدائل تليق بالانتماء إليه، وتعيد أهل السنة إلى الشراكة الوطنية في مواجهة الحرب المفتوحة على الدولة والكيان والشعب في آنٍ واحد.