IMLebanon

بعدما “لحِقوا بهم إلى قبورهم”… رحلة بحثٍ عن البهائيّين من إيران إلى العالم

 

نشأوا في إيران… وغير معترفٍ بهم في لبنان

 

يوم 30 آب الماضي لم يمرّ على مدافن «طائفة» البهائيين في مشغرة البقاعية بسلام. الواقعة: تعرُّض أضرحتهم للتخريب من قِبَل مجهولين. ثمة كثيرون ممّن لم يسبق لهم وتعرّفوا على البهائيين. وهناك مَن يجهلون تواجُدهم في لبنان من أصله. أما الدولة اللبنانية، فلا تعترف بهم كمجموعة دينية. وهكذا تتكثّف الأسئلة. من هم البهائيون؟ هل البهائية مذهب ديني أم حركة باطنية؟ ثم ما الذي حصل في مشغرة ومن يقف وراء الإعتداء؟ نحاول الإجابة.

 

«يا أبناء الإنسان، هل عرفتم لِمَ خلقناكم من تُراب واحد؟ لئلا يفتخر أحد على أحد؛ أملك قلباً جيداً حسناً منيراً لتملك ملكاً دائماً باقياً أزلاً قديماً». هذا بعض ما يرد في «كتاب» البهائيين «الأقدس». هم يعتبرون البهائية أحدث الديانات العالمية، حيث الوقت قد حان لبناء حضارة إنسانية مسالِمة على أساس الوحدة في التنوّع. وإذ ترفض البهائية اعتبار نفسها طائفة من الإسلام أو مذهباً تحت رايته، يؤكّد أتباعها ارتكازها على مفهوم وحدانية الله بصفته خالق هذا العالم. كما يؤمنون بأن الرب يبعث، في كل مرحلة من مراحل نضج الإنسانية واحتياجاتها، رسالة وهدياً سماوياً لمصاحبة هذا النضج وللاستجابة للتحديات الإنسانية. ونُكمل.

ينتشر أتباع البهائية اليوم في بلدان مختلفة، لا سيّما في أوروبا والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية والهند، ويقارِب عددهم الستة ملايين. وبحسب الدكتور سيامك ساساني، عضو المجتمع البهائي الكندي، فإن أبرز أهداف البهائية التفاني في الخدمة دون تمييز والابتعاد عن السياسة. أحكام حضرة باب الله، من صلاة وصوم وغيرها، يؤدّيها البهائيون حباً بالله وليس خوفاً من أي عقاب أو طمعاً بجنّة. وشُرب الخمر حرام كونه يُفقد الإنسان توازنه العقلي، لكن استخدامه لتعقيم الجروح ممكن. العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج محرَّمة هي الأخرى وكذلك تعدُّد الزوجات. أما الزواج، فمسموح بين كافة الأديان مع إبقاء كل طرف على دينه. مع العلم أن البهائيين لا يحجّون ولا يولون وجوههم في الصلاة نحو مكة؛ فبِقاعهم «المقدَّسة» في مدينتَي حيفا وعكا في فلسطين المحتلّة حيث يقع ضريحا المبشّر والمؤسّس.

 

صمتٌ في لبنان… إقتضاب في العراق

 

رحلة شاقّة انطلقنا فيها لمعرفة المزيد مع انتشار خبر التعدّي على مدافن مشغرة. فمحاولات لملمة الموضوع وإبعاده عن الإعلام لأسباب (ما) كانت واضحة. بعض ممثّلي الطائفة البهائية في لبنان تجاهلوا اتصالاتنا وعمّموا أرقامنا على الحلقة الضيّقة حرصاً منهم، على ما يبدو، على عدم حصولنا على أي معلومة تتعلق بالاعتداء على المدافن أو بواقع البهائيين في لبنان والعالم العربي. فلننتقل إلى العراق.

 

سارة، إسم مستعار لفتاة بهائية عراقية، تخبرنا باقتضاب عن حياتها اليومية وحال أبناء طائفتها قائلة: «نتعرّض للمضايقات. ففي إيران واليمن، مثلاً، نُمنَع من ممارسة شعائرنا. وفي العراق ولبنان لا تعترف بنا الدولة ولا نتمتّع بحقوقنا المدنية. أما المجتمع، فينظر إلينا نظرة استغراب وخوف وتجاهل». هي معاناة مزمنة، تصفها سارة، لمجموعة تواجِه اتهامات بالتجسّس والهرطقة وتلقّي الدعم الغربي واتّباع مَن ادّعى النبوءة بلا دليل. لكن ماذا عن المعتقدات والممارسات؟ «نحن لا نؤمن برجال الدين بل لنا مؤسّساتنا المنتخَبة محلياً ومرجعية عليا عالمية وحيدة (بيت العدل الأعظم) تأسّست في العام 1963 في جبل الكرمل في حيفا ويُنتخَب أعضاؤها بالاقتراع السرّي. صَومنا يقتصر على 19 يوماً وتقويمنا السنوي يتضمّن 19 شهراً. نؤدّي ثلاث صلوات يومياً – الكبرى، الوسطى والصغرى – ونجتمع فقط لتأدية مراسم دفن موتانا».

 

شهادة مُقرَّب

 

نتواصل مع رئيس جمعية «حوار للحياة والمصالحة»، الدكتور زياد فهد، لنسأل عن التعدّي على مدافن مشغرة. ويقول لـ»نداء الوطن» إن في هكذا تصرفات تعدّ على مبادئ التنوّع والتآخي وحرية ممارسة الدين والمعتقد التي دائماً ما تَميّز بها لبنان. «أنا لست بهائياً، لكن بحُكم خبرتي الطويلة معهم، أؤكّد أنهم مسالمون وأن مبادئهم ترتكز على الوحدة والسلام والمحبة والتواصل مع الآخرين بعيداً عن السياسة». ومدافن مشغرة، كما يشير فهد، تعود إلى أكثر من 150 عاماً، لتُضاف إلى مدفن واحد آخر يتبع لهم في خلدة نظراً لعددهم الذي لا يتخطى الـ500 في لبنان.

 

حتى الثمانينات، كان المقر الرسمي للبهائيين في حارة حريك. أما اليوم، فمركزهم في المونتي فردي. «أبوابهم مفتوحة للجميع ويمكن لأيّ كان حضور اجتماعاتهم كما دأبْت دوماً. المواضيع التي كانوا يتناولونها تتعلّق بالشأن العام والمحافَظة على خدمة المجتمع وتنمية القدرات الذاتية»، على حدّ قول فهد. لكن ما الذي يعيق انتشار البهائية أسوة بأديان أخرى معترَف بها؟ يجيب بأن رسالتهم لا ترتكز على أجندة تبشيرية، فهم موجودون حيث هم، ولا هدف لديهم بالتوسّع. «أستغرب التعتيم الإعلامي على موضوع يطال كرامة البشر وكأنهم لحقوا بهم إلى قبورهم في مشغرة. أما كانت «قامت القيامة ولم تقعد» لو حصل الأمر نفسه في منطقة أخرى؟».

 

التعايُش مع نفوذ «الحزب»

 

نواصل سعينا خلف المعلومات، وهذه المرة من خلال بعض أهالي مشغرة. هؤلاء تكلّموا عن جهلهم بأبسط التفاصيل عن البهائيين رغم مشاركتهم الحياة اليومية معهم. «حتى مختار البلدة لا يملك أي معلومات. لكن المؤكّد هو نفوذ حزب الله في «الحارة التحتا» في مشغرة حيث يتواجد البهائيون. فبعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 والانسحاب اللاحق، أحكم الحزب سيطرته على المنطقة، وغادرها المسيحيون بعدما كانوا يشكلّون قرابة 80% من أبنائها»، يقول أحدهم. ويضيف آخر أن غالبية البهائيين هناك ميسورو الحال ويمارسون أعمالاً حرة خارج لبنان. «ما من مركز عبادة رسمي لهم، لذا يجتمعون في المنازل ويُسمّى مكان الاجتماع بـ»المحفل الروحاني المحلّي»، ويديره تسعة أعضاء يُنتخبون سنوياً».

 

نطّلع من بعض من تكلّمنا معهم على صوَر لمدخل المدافن حيث هناك رخامة كُتب عليها: «الروضة الأبدية للطائفة البهائية في مشغرة. تأسّست سنة 128 بديع، أي 1971 م.». من جهتها، تشير مصادر البلدية إلى حالات اختلاط وتزاوُج بين الشيعة والبهائيين في البلدة. «تخيّلوا أن خال وعمّة الشيخ المسؤول في حزب الله عن المنطقة بهائيان. لقد فضّلوا لملمة موضوع التعدّي على المدافن. حتى أن البعض لا يستبعد تخريباً على يد طرف ثالث لإشعال نار الفتنة بين الطرفين».

باستثناء الأردن والبحرين، لا تعترف الدول العربية بالبهائية كمجموعة طائفية. وزير الداخلية السابق، زياد بارود، يشير في اتصال مع «نداء الوطن» إلى أن وجود البهائيين في لبنان يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر حيث انتشروا في بيروت والبقاع الغربي. «لا أرقام رسمية حول عددهم كونهم يُسجَّلون تحت خانة طوائف أخرى، لكن الواضح أنهم ينتمون إلى ما يمكن وصفه قانوناً بالأقليّات».

 

عدم الاعتراف بالبهائيين كمجموعة طائفية يعود إلى القرار (التشريعي) رقم 60/ ل.ر. الصادر سنة 1936 عن المفوض السامي الفرنسي والساري المفعول حتى اليوم. وهو قرار عدّد الطوائف «المعترَف بها تاريخياً». ففي صيغته الأولى، كان عددها 16، مضافاً إليها «طائفة القانون العادي» التي لحظها القرار. وفي عامي 1995 و1996، أضاف مجلس النواب طائفتَي العلويّين والأقباط الأرثوذكس، تباعاً، ليرتفع العدد إلى 18. ويردف بارود: «بما أن الاعتراف بأي طائفة «تاريخية» جديدة يستوجب إقرار قانون في مجلس النواب، فعلى الاعتراف بالطائفة البهائية أن يمرّ إلزامياً بالبرلمان».

«البهائية حركة باطنية ذات أهداف غير معلَنة». هذا ما سمعناه من معظم المرجعيات الدينية المسيحية والإسلامية ممّن استمزجنا آراءهم. الشيخ مجد درويش اعتبر أن أفكار البهائيين أقرب إلى العقيدة المسيحية الأصولية وطروحاتهم تخالِف ما عليه المسلمون جملةً وتفصيلاً. أما الشيخ ياسر عودة، فرأى في البهائية فرقة باطنية غير معترَف بها من قِبَل الشيعة رغم أن ممارساتها كانت دوماً مسالمة. «حين تكون الفرقة باطنية، تشحّ المعلومات حولها، وتنخرط في المجتمع تحت مسمّيات مختلفة. عادة ما تستغلّ أجهزة دولية وحركات عالمية هذه الفِرق، وليس غريباً ألّا تكون البهائية استثناء».

 

بدوره، يلفت الشيخ أحمد العاملي المشغري إلى مخطّط صهيو – بريطاني يعمل، منذ العام 1890، على توطئة الأرض للصهاينة من خلال الأقليات التي تلجأ إلى التقية والتلوّن في إظهار عقائدها ضمن المجتمع المسلِم، ومن أبرزها الشركسية والبهائية. «كيفية توزُّع البهائيين في بلاد الشام، بشكل خاص، وبلاد العرب، بشكل عام، تُظهر التكتيك الديموغرافي الذي ساهم في بناء صورة ثقافية لا تمتّ إلى الإسلام بصلة».

 

باختصار، سمعنا عن البهائيين الكثير وقد يكون ما لم نسمعه أكثر. بالطبع، التعدّي على معتقدات الآخرين، أكان لأسباب دينية أم سياسية، مرفوضٌ من حيث المبدأ. بيد أن تكتُّم أصحاب الشأن وامتناعهم عن البوح بأي تفاصيل يُغرق الكلام بأسئلة (وشكوكٍ) لا تنتهي.

 

من ايران الى العالم

في إيران، بلد المنشأ، الإعتقالات مسلسل طويل. في العام 1844، أعلن التاجر المسلم علي محمد الشيرازي تلقّيه رسالة سماوية، فاتّخذ لنفسه لقب الـ»الباب» وراح يبشّر برسول جديد. التحق به الشاب الإيراني بهاء الله (ميرزا حسن علي النوري 1817-1892)، وكان من أثرياء طهران وأسرته قريبة من البلاط وتشغل مناصب في الدولة. في العام 1863، وبعد نفيه إلى العراق، أعلن نفسه الرسول المنتظر وصاحب الرسالة الذي تنبّأت بمجيئه الكتب السماوية. اتُّهم بالردّة عن الإسلام والتعدّي على تعاليمه، فأُبعد إلى اسطنبول ليستقرّ بعدها في إدرنة. ثم عبَر مصر في طريقه إلى عكا وظلّ يبشّر بدينه ويجمع حوله الأتباع حتى وفاته، ليستكمل نجله (عبد البهاء – عباس أفندي) مهامه من بعده ناشراً التعاليم البهائية حول العالم.

 

• في العام 1912 حصل لقاء في أميركا بين جبران خليل جبران وعبد البهاء، وكانت جارة جبران بهائية أميركية، فأعجب بنظرتها للحياة ورسم لوحة لعبد البهاء.

• في العام 1948 اعترفت الأمم المتحدة بـ»الجامعة البهائية العالمية» على أنها مؤسّسة غير حكومية.