اطلقت النائبة بهية الحريري المُستَنفرة هذه الايام، منذ اللحظات الاولى على بث الاستقالة التلفزيونية للرئيس سعد الحريري داخل غرفة مظلمة في العاصمة السعودية في الرياض، اولى اشارات التمرد على المرجعية الاقليمية لـ «تيار المستقبل» ومعظم الشارع السياسي السني في لبنان ، ملاقاة للتصعيد السعودي الذي وصلت استهدافاته هذه المرة الى داخل بيت الرئيس الراحل رفيق الحريري ، حين لم تستجب لـ «استدعاء» البلاط الملكي السعودي لـ «المثول» ، وعلى عجل ، لمبايعة شقيق الرئيس الحريري «الشيخ بهاء»، خلفا لشقيقه سعد في قيادة «تيار المستقبل» وجمهور رفيق الحريري.
هي خطوة للنائب الحريري ليست في الهواء ، ولا هي ارتجالية ، وانما فرضتها التطورات المتسارعة المتعلقة بمصير رئيس الحكومة المقال سعد الحريري، والتي تتجه، وفق ما يرى مقربون من «تيار المستقبل» نحو المزيد من التأزم، بالتزامن مع معلومات يطلقها «متمردون» على تيار المستقبل وباتوا «معتمدين» من قبل جهات سعودية، يجزمون بان لا عودة للحريري من الرياض الى بيروت، ما يشير الى ان الامور سائرة نحو التصعيد الذي سيكون «المستقبل» اولى ضحاياه.
فالنائبة الحريري التي لم «تمثل» امام «استدعاء» ملكي، لتغطية مبايعة شقيق رئيس الحكومة المقال سعد الحريري بهاء، افشلت محاولة إقناع العائلة و«تيار المستقبل» لترويض الجمهور السني ومبايعة الحريري الشقيق، وهو سيناريو زاد من ارباك اركان «التيار» وجمهوره الذي تعرض لـ «موجات غزل» من «متمردي المستقبل» الذين «تطوعوا» لخوض معركة الدفاع عن السعودية ..فقط لا غير، من دون ان ينجحوا في تحقيق خروقات داخل جسم المستقبل»، وبخاصة في مدينة صيدا التي ما تزال ملتزمة الصمت بتوجيه من النائبة الحريري، علما انه ظهرت محاولات لتنظيم تحركات في الشارع، وكان نموذجها غير مشجع، تمثل بـ «التظاهرة» التي شارك فيها مناصرون لمدير عام قوى الامن الداخلي السابق اللواء المتقاعد اشرف ريفي، وطلاب «حزب الوطنيين الاحرار» باهتة وهجينة تجمع جمهورين غير متجانسين، فيما بقي الالتفاف حول «تيار المستقبل» على حاله في صيدا وبيروت والبقاع، من دون المجاهرة بموقف سلبي باتجاه السعودية وفسر ذلك جليا في خطب الجمعة في مساجد الطائفة السنية التي غابت عنها قضية الرئيس الحريري.
ومع اتضاح موقف رئيس الجمهورية اكثر، ومغادرته حلقة «التريث»، ودخول القضية اسبوعها الثاني، ثمة من يطرح تساؤلات تتعلق بالتدهور التدريجي للعلاقات اللبنانية ـ السعودية، هل يصعِّد السعوديون ضد لبنان، من خلال اجراءات عملانية تتعلق بما اوحوا به، طرد اللبنانيين العاملين على اراضيها، كنوع من انواع الضـغوط التي تنتظر اللبنانيين، او اقفال القنوات الدبلوماسية مع لبنان، وعلى ما سترسو الصورة النهائية للعـلاقة بين «تيار المستقبل» وجمهور الرئيس الحريري؟، في ضوء تعثر الخطوات الترويجية لمبايعة شقيق الحريري بهاء الدين؟، وبالتزامن مع «حجز حرية» الحريري.
في حمأة الارباك السائد لدى فريق ما كان يسمى «الرابع عشر من آذار»، وعلى رأسهم «تيار المستقبل»، برز فريق بدا متناغما مع التهديدات السعودية ضد لبنان من قناة «حزب الله»، لا من دون ان يُقروا بان الحريري مقيد الحركة في الرياض، وهؤلاء ينسقون في كل التفاصيل مع قوى سياسية وشخصيات من مكونات 14 آذار من خارج الطائفة السنية ، اضافة الى بعض المستشارين السابقين للرئيس الحريري، وعلى تواصل يومي مع وزير «التغريد الحربي» السعودي ثامر السبهان ، لتأجيج الخطاب السياسي لـ «تيار المستقبل»، باتجاه التصعيد ضد «حزب الله»، علما ان اجواء «تيار المستقبل» بدأت تعبر عن انزعاجها الحاد من مواقف بعض القوى «الحليفة» ، وبخاصة اولئك الذين حظيوا بزيارة «مباركة» الى السعودية مؤخرا، ففي الوقت الذي يضع «المستقبل» عودة الحريري الى بيروت في قائمة اولوياتها، يسعى هذا الفريق الى طمس مسألة مصير الحريري والتركيز على مضمون بيان الاستقالة ـ الاقالة التصعيدية ضد ايران و«حزب الله»، وقد لفتت الاوساط الى ان «تيار المستقبل» التقط اشارات من جهات كانت في السابق محسوبة على الرئيس الحريري، لتحريك الشارع السني ، ارضاء للسعودية وتناغما مع تهديداتها، فيما هو يسعى لوضع اولوية عودة الحريري من الرياض .. لجلاء كل الملابسات التي رافقت الاقالة واعقبتها.
بعد المعلومات عن اتصالات يجريها «متمردو» المستقبل لتأجيج الوضع الامني، تبلغت النائبة الحريري من القيادات الفلسطينية بمختلف فصائلها حرص الفلسطينيون في المخيمات على الحـفاظ على الوضع الامني وعدم التورط في الازمات السياسية للبنان، وقد زارها وفد كبير من الفصائل تقدمه امين سر حـركة «فتح» في لبنان وممثلون عن الفصائل الوطنية والاســلامية، اكدوا الحرص على استقرار المخيم وعدم التدخل في اي شأن لبناني، بل الانحياز الى الاستقرار والسلم الاهلي، انطلاقا من ان المخيمات جزء من الامن الوطني اللبناني، و«سنتعاون من اجل ان تبقى المخيمات آمنة ومستقرة»، وفق ما قال ابو العردات الذي اكد الموقف الثـــابت في «ان لا نتدخل في الشأن الداخلي اللبناني، لكن هناك قــضية هي محط تضامن داخلي لبناني وتشكل اجماعاً وطنيا، ونحن نقف خلف هذا الاجماع في قضية الرئيس سعد الحريري».
ووفق هذا السياق، اتى تحرك مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم على خط رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في العاصمة الاردنية عمان اختصارا للطريق ، لابلاغ الجانب الفلسطيني بالمخاوف والتقديرات اللبنانية تجاه محاولات لجهات خارجية لتوريط المخيمات الفلسطينية في لبنان في التأزم السياسي الحاصل في العلاقات اللبنانية السعودية ، لتحريك الوضع الامني في المخيم بهدف احداث ارباك امني في الداخل اللبناني، والعمل على تغذيته من خلال تحركات مشبوهة في الشارع لتوتير الاوضاع، بعد رصد اشارات دلت عليها اتصالات اجراها فريق لبناني من خارج «تيار المستقبل» موال للسعودية، مع جهات وجماعات اسلامية متشددة داخل مخيم عين، بهدف جرها في اجندات مريبة، فضلا عن عشائر ظهر بعضها في زيارات التأييد للسعودية، بتنظيم من سفارتها في بيروت بناء لاستدعاءات قام بها موظفون في السفارة، بالتنسيق مع شخصيات سياسية عززت مؤخرا قنوات اتصالها مع السعودية، وبعض هؤلاء على علاقة وثيقة بشقيق الرئيس الحريري بهاء الدين الذي تقدمه السعودية ليكون خليفة شقيقه في زعامة الشارع السني في لبنان و«تيار المستقبل»، الامر الذي احدث صدمة داخل عائلة الحريري وجمهور «المستقبل» الذي تلقى اصداء «الانقلاب المدوِّي» للسعودية على الرئيس الحريري بكثير من الريبة والارباك.