Site icon IMLebanon

كيف أصاب القادة العرب الهدف؟

 

 

وجَّه القادة العرب في البيان الختامي لقمة البحرين، التي كانت انعقدت منتصف الشهر الجاري، «دعوة جماعية لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، لحلّ القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين»، فهل يقتصر المؤتمر على هذا العنوان أم سيقارب أزمة المنطقة برمتها؟

يعاني الشرق الأوسط من أزمتين أساسيتين: الأزمة الفلسطينية المتمادية بسبب رفض إسرائيل الإقرار بحقّ الفلسطينيين «بدولة مستقلة، ذات سيادة وقابلة للحياة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، للعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، سبيلاً لتحقيق السلام العادل والشامل»، وفق ما جاء في بيان قمّة البحرين.

 

والأزمة الثانية، سببها السلطنة الإيرانية ومنعها خمس دول عربية من ممارسة سيادتها على أرضها، بدءاً من اليمن، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى فلسطين، حيث انّ الدور السلبي لمحور الممانعة بقيادة طهران كان قد فعل فعله في إجهاض المؤديات النهائية لمؤتمر مدريد للسلام، ومن ثم إسقاط مبادرة السلام العربية في مهدها والتي أُطلقت من بيروت.

 

وهناك اعتقاد بأنّ معالجة الأزمة الفلسطينية عن طريق «حلّ الدولتين» سيكون كفيلاً بانتزاع ورقتين من إيران: ورقة المقاومة داخل الكيان الإسرائيلي، وورقة المقاومة في لبنان، ولكن هذا الافتراض غير صحيح للأسباب الآتية:

 

ـ أولاً، لن توفِّر طهران فرصة لإجهاض كل مساعي السلام، إن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، او بين الدول العربية والدولة الإسرائيلية، وستعمل على خلق المناخات المؤاتية لمقاومة فلسطينية مع «حماس» او مع غيرها، وستمنح التطرُّف الإسرائيلي الحجة لإجهاض المسار السلمي.

ـ ثانياً، الوصول افتراضاً إلى دولة فلسطينية مستقلة لن يقود إلى سلام على مستوى المنطقة يشمل ضمنه لبنان، لأنّ «حزب الله» سيمنع لبنان من الانضمام إلى «السلام العادل والشامل».

ـ ثالثاً، إنّ حلّ القضية الفلسطينية على أساس «حل الدولتين» لا يعني انّ «حزب الله» سيسلِّم سلاحه الذي سيظلّ يعتبره ضرورة لإزالة إسرائيل من الوجود في الوقت المناسب، ولكونه يتحجّج بهذا السلاح تحت عنوان الدفاع عن لبنان، على رغم من انّ عملية «طوفان الأقصى» كشفت انّ سلاحه عاجز عن ردع إسرائيل او فعل أي شيء.

ـ رابعاً، لن يبدِّل حل الدولة الفلسطينية بواقع لبنان وسوريا والعراق واليمن، ولا بل الخطر على الحل الفلسطيني سيبقى قائماً في ظلّ المحاولات الإيرانية التي لن تتوقّف لإسقاط هذا الحلّ.

 

وتأسيساً على ما تقدّم، لا يفيد بشيء «عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين»، إلّا في حال كان المقصود أن يشكّل هذا المؤتمر المدخل غير المباشر لمعالجة أزمة المنطقة لا الأزمة الفلسطينية فحسب، لأنّه لن يتمكّن أساساً من معالجتها إذا لم يعالج المشروع الإيراني، كما انّ المعاناة في المنطقة لم تعد تقتصر على الشعب الفلسطيني، إنما تشمل الشعوب اللبنانية والسورية والعراقية واليمنية والتي تخضع للنفوذ الإيراني.

 

وإذا كان المشروع الإسرائيلي يحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، فإنّ المشروع الإيراني يتقاطع مع المشروع الإسرائيلي على الهدف نفسه، ويعمل علاوة عليه على منع قيام دولة لبنانية مستقلة، ودولة سورية مستقلة، ودولة عراقية مستقلة، ودولة يمنية مستقلة.

والظروف التي استدعت في مطلع تسعينات القرن الماضي عقد مؤتمر مدريد للسلام مختلفة كلياً عن ظروف المنطقة بعد تمدُّد المشروع الإيراني وإمساكه بأربع عواصم عربية وتحريكه المقاومات الفلسطينية، وبالتالي يفترض تغيير عنوان المؤتمر من إيجاد حل للدولة الفلسطينية، إلى إيجاد حل أيضاً للدولة في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

 

والرهان على فصل الأزمة الفلسطينية او تحييدها عن إيران لن ينجح، وهو كالرهان على فصل النظام السوري عن النظام الإيراني، فالحلول بالقطعة ولو نجحت تبقى موقتة ومصيرها السقوط الحتمي، ولا بل اي حل للقضية الفلسطينية يجب ان يبدأ من معالجة المشروع الإيراني التمددي والتوسعي، وما لم يُعالج هذا المشروع فعبثاً البحث عن سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط.

 

وإذا كانت تل أبيب تهدِّد السلام الفلسطيني، وهو كذلك، فإنّ طهران تهدِّد السلام في الشرق الأوسط برمته فضلاً عن تهديدها السلام الفلسطيني واللبناني والسوري والعراقي واليمني، وبالتالي هناك وقائع لا يمكن تجاهلها والقفز فوقها، وفي حال انعقاد المؤتمر يعني فرصة ثمينة ضائعة وجهد في غير محله.

فالمطلوب وبإلحاح عقد مؤتمر دولي لحلّ النزاع في الشرق الأوسط، لأنّ هذا النزاع لن ينتهي إلاّ في حالتين: سقوط النظام الإيراني بحرب خارجية او ثورة داخلية، والحالة الثانية مؤتمر دولي يعيد ترسيم حدود الدول سياسياً ونفوذها المزعزع لاستقرار دول أخرى، فيما عدم سقوط النظام وعدم عقد مؤتمر دولي يعني مزيداً من تمدُّد المشروع الإيراني الى مزيد من العواصم العربية.

 

وللتذكير، فإنّ البطريرك بشارة الراعي كان دعا الى مؤتمر دولي لحلّ الأزمة اللبنانية، وقد ووجهت دعوته بحفلة تخوين لأنّه أصاب الهدف، إذ لا حل لهذه الأزمة بانتخاب رئيس للجمهورية، ولا بحوار داخلي عقيم، ولا بالرهان على تسليم «حزب الله» سلاحه، إنما المدخل الأساس لحلّ الأزمة اللبنانية يكمن في تلبية دعوة البطريرك الراعي.

 

وإذا كان من المتعذّر عقد مؤتمر دولي لدولة، فإنّ القادة العرب وجّهوا «دعوة جماعية لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين»، وإمكانات هؤلاء القادة وقدراتهم وحاجة المجتمع الدولي لمالهم ونفطهم ودورهم في التطبيع مع إسرائيل مقابل الدولة الفلسطينية تجعل حظوظ تلبية الدعوة لهذا المؤتمر أكبر بكثير من تلبية دعوة البطريرك، ولكن شرط أن لا يقتصر الهدف على معالجة القضية الفلسطينية، إنما ان يشمل الدول والشعوب التي تعاني من الدور الإيراني.

 

وإذا كان القادة العرب قد أصابوا الهدف، فإنّ المطلوب ترجمة مبادرتهم على أرض الواقع، لأنّ المؤتمر الدولي هو الوحيد الكفيل بحلّ أزمة الشرق الأوسط التي تعاني من مشروعين: المشروع الإسرائيلي الذي تتضرّر منه دولة واحدة، والمشروع الإيراني الذي تتضرّر منه خمس دول ويمثِّل خطراً على دول أخرى.

 

وقد لا تتجاوب واشنطن مع الدعوة الى مؤتمر دولي بسبب انهماكها في انتخاباتها الرئاسية، إلّا انّ السعي العربي مطلوب أولاً، ومن الضروري ثانياً تحويله إلى أحد بنود البرامج الانتخابية لكل من المرشحين جو بايدن ودونالد ترامب بقطعهما وعداً بالتجاوب مع هذه الدعوة برعاية الأمم المتحدة.

 

فمن مسؤولية المجتمعين الغربي والعربي معالجة أزمة الشرق الأوسط بشقيها الإسرائيلي والإيراني، لأنّ من حق شعوب المنطقة العيش في سلام واستقرار بعد عقود من الحروب، والحل المتاح يكمن في انعقاد مؤتمر دولي وان تصدر عنه قرارات حاسمة تحت الفصل السابع.

 

فلولا «طوفان الأقصى» لما تحرّك العالم ولما صدرت دعوة الى عقد مؤتمر دولي، ويبقى المهم في متابعة القادة العرب هذه الدعوة والعمل على ترجمتها كمدخل للسلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، وهذا السلام لن يتحقّق إلّا برفع تل أبيب يدها عن حق الشعب الفلسطيني بدولة، ورفع طهران يدها عن حق الشعوب اللبنانية والسورية والعراقية واليمنية بدولة وطنية.