في نهاية الأسبوع الجاري تكون عملية التكليف لتأليف الحكومة قد شارفت على نهاية شهرها الثالث. حتى إذا لم يتم التأليف في الأيام الآتية من هذا الأسبوع قد ندخل في أزمة مفتوحة على الإحتمالات كافة.
رب قائل: «إنقضت الأشهر الثلاثة» بل والأشهر العشرة، وما بينهما، في السابق على التكليف من دون التأليف ومن ثم فرجت فجأة وحل الروح القدس على الأقوام في «عنصرة جديدة» وباتوا يتكلمون اللغات كلها بما فيها «لغة التأليف» التي كانت قد غابت ردحاً طويلاً. وبالتالي فلا مجال للتأفف والإحباط فنحن «معتادون» على هكذا عراقيل تصل الى حدّ المأزق من دون أن تُقام الدنيا أو تقعد.
وهذا صحيح في المبدأ، ولكن ثمة فوارق إستثنائية في هذه المرحلة عمّا سواها:
في السابق لم يكن الرئيس منطلقاً من حزب (… والحزب الأقوى والأكبر والأبرز في طائفته). وحتى الشيخ بشارة الخوري، رحمه اللّه، عندما كان رئيس الكتلة الدستورية، وصل الى رئاسة الجمهورية، كان البلد منقسماً بين كتلتين: الدستورية التي أسسها الخوري والكتلة الوطنية التي أسسها إميل إده، رحمه اللّه. وكانت كل من الكتلتين تضم منتسبين وأصدقاء ومحبين (…) ينتمون الى سائر ألوان الطيف اللبناني.
ثم إن الرئيس كميل شمعون عندما وصل الى الحكم كان ذلك بانقلاب أبيض، ولم يكن رئيساً لحزب «الوطنيين الأحرار». فهذه التسمية وردت لاحقاً، ومعها الحزب، الذي أسسه شمعون إثر تركه الرئاسة بعدما أكمل ولايته حتى اليوم الأخير بالرغم من الأحداث الجسيمة التي عُرفت، في حينه، بـ «ثورة 1958» وعصفت في البلد. وأما حزب الوطنيين الأحرار فنشأ بعد رئاسة شمعون عن حال شعبية عارمة عُرفت بـ«الشمعونية السياسية» التي عمل الرئيس الأسبق الراحل على تأطيرها في منظومة حزبية إستأثرت طوال عقود بالعدد الأكبر من النواب داخل أي كتلة نيابية، وتميّزت بأنها ضمّت، في حينه، أقطاباً من أهل السنة (أمثال سليمان بك العلي زعيم عكار من دون منازع)، ومن الشيعة (كاظم الخليل «ثعلب السياسة اللبنانية» وحامل لقب «دينمو» الحلف الثلاثي بحق). ومن الموحدين الدروز (الشيخ فضل اللّه تلحوق وبشير بك الأعور، إضافة الى حلف مزمن مع الأمير مجيد أرسلان..).
أما في مرحلة ما بعد الطائف فإنها المرة الأولى التي يوجد رئيس للجمهورية ينافس «الأقوياء» (أو يملك القدرة على منافسة «الأقوياء») في الشارع إذا إقتضى الأمر. وهذه ظاهرة تجعل «المواجهة» (إن في الحكومة وطريقة تشكيلها أو في أي مجال آخر) محفوفة بخطورة لعبة الشارع، وهذا ما لا يريد أحد أن يصل إليه.
ولا شك في أن في خلفية رئيس الجمهورية مجموعة من الإقتناعات والرواسب تجعل الرئيس (في ظرف لبنان الموضوعي) يشعر بنفسه بأنه الأمين على قضايا الناس ومطالبهم… وأنه بالتالي هو الوحيد القادر على إستعادة «التوازن الوطني» الذي كان مفتقداً. وهذا التوصيف قد يكون صحيحاً ولكن تترتب عليه نتائج خطرة: ذلك أنه في النظام السياسي اللبناني الطائفي (نسبة الى الطائف وإلى… الطوائف) قد يصح حيناً تعبير «استضعفوك فوصفوك» (…) كما كانت حال المسيحيين طوال العقود الماضية. حتى إذا أراد إسترجاع بعضاً من صلاحية مفقودة قيل له: ممنوع. فإذا توقف قيل سقط مفهوم «الرئيس القوي»، وإذا واصل سيواجه، بالتأكيد مخاطر كيانية!
إلاّ أن ثمة تعويلاً على حكمة الرئيس العماد ميشال عون في التوفيق بين أطراف المعادلة تداركاً لأي محظور.