استمر الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” بعد ايام قليلة على وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز متزامنا مع تعرض الجيش اللبناني لـ”اختبار” بالنار والدم على الحدود مع المسلحين السوريين الذين ينتشرون فوق رقعة واسعة من الحدود المشتركة. ولم يمنعهم البرد القارس والثلوج المتراكمة في جرود منطقة القلمون من مهاجمة نقاط حدودية للجيش. وكما ان وفاة الملك عبد الله الذي سبق ان دعم قبل وفاته الحوار اللبناني الداخلي، لم تغير في اجندة “التهدئة” من خلال مواصلة خليفته الملك سلمان بن عبد العزيز دعم الخيار نفسه، فإن “اختبار” الدم والنار الذي تعرض له الجيش في نهاية الاسبوع اتى ليعزز الخيار نفسه، باعتبار ان الداخل اللبناني المنقسم عموديا حول قضايا جوهرية، وهو غير قادر على التوصل الى حلول حول القضايا الخلافية، انما يحتاج في المرحلة الراهنة الى ترسيخ “التهدئة” في سياق دعم المؤسسة العسكرية، ومنحها بيئة مؤاتية وداعمة بقوة لدورها في حماية الحدود، لان أي تراجع في قدرة الجيش الذي يتعرض اليوم لحرب استنزاف حقيقية يمكن ان يعيد خلط الاوراق كلها، ويهدد الاستقرار الداخلي الهش.
وفيما تشهد المملكة العربية السعودية انتقالا سلسا للسلطة، يدخل اليمن المجاور عصرا جديدا اقرب الى “اللبننة”، حيث تنذر التطورات هناك باحتمالات انزلاق البلاد الى حرب اهلية متعددة الوجه، مذهبية – جهوية – سياسية، وتتواصل الحرب في العراق وسوريا، وان بأنماط مختلفة.
وسط هذه الخريطة المظلمة، ووسط الخلاف العميق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران، يبقى لبنان وحده المساحة حيث يدور ما يشبه “الاختبار الحواري” بين القوتين الاقليميتين من خلال توافقهما على ان لبنان ينبغي ان يكون محيـّدا عن الصراعات الدامية في المنطقة، حتى في غياب اي امكان لايجاد حلول فورية للخلافات الكبرى في الداخل بين مسار الاستقلاليين ومسار “حزب الله”.
هذه نقطة ايجابية اسهمت في الامس وتسهم اليوم في تشجيع السلوك المستجد على الساحة اللبنانية والذي ادى الى اطلاق عملية الحوار، وثبّت “التهدئة” وان تكن هشة. وهذه النقطة الايجابية من التوافق بين الرياض وطهران، باعتبار لبنان مساحة في الاقليم وجب تحييدها ومنعها الاشتعال لانها تشكل عاملا مشجعا على مواصلة القوتين الكبريين في لبنان “تيار المستقبل” و”حزب الله” حوارهما حماية للاستقرار في مرحلة التحولات الكبرى في المنطقة، وانتظارا لما يمكن ان يحصل مستقبلا على مستوى المفاوضات الغرب – ايرانية حول برنامج الاخيرة النووي.
وسط كل هذا، وبالرغم من الخلاف العميق مع “حزب الله”، يبقى الحوار و”التهدئة ” أفضل الخيارات راهنا.