Site icon IMLebanon

التوازن: موسيقيّاً وكشفيّاً!  

مستعجلة القيادة الروسية على «الاستثمار» في الإدارة الأميركية الجديدة.. وكأنها تخشى شيئاً مغايراً للمواقف الإيجابية «الشخصية» التي أطلقها حيالها الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية وكان في زبدتها الإشادة الحارة بخصال فلاديمير بوتين.. ثم رَفْض وصمه بـ«القاتل» في حديثه التلفزيوني الأخير إلى محطة «فوكس نيوز» من «البيت الأبيض».

استقالة الجنرال مايكل فلين من منصبه كمستشار للأمن القومي على خلفية إتهامات ذات صلة بالروس، واحدة من أسباب الاستعجال الذي بدأ يلمع في الكرملين.. لكن يجوز الظن، بأن هذا الكرملين، الذي ذهب بعيداً في رهانه على رئيس أميركي يكسر ثوابت وركائز وأسسا تاريخية في العلاقات بين البلدين، اكتشف بسرعة أنّ ذلك الرهان لم يكن في مكانه تماماً.. حتى الآن.

«لحظة» ترامب الصادمة تبدو وكأنّها تلاشت وخصوصاً في المسائل التي أشاعت مناخاً إلتقائياً بينه وبين نظيره الروسي: لا العقوبات المفروضة بسبب أوكرانيا وضمّ القرم رُفعت أو يتوقع أن تُرفع قريباً. ولا«الناتو» تحطّم! أو يُتوقع له أن يلقى مصير«حلف وارسو»! ولا الاتحاد الأوروبي ذاهب الى التفتيت مجدداً! ولا«اليورو» مؤهّل«شرعياً» حتى الآن للانهيار! ولا اليمين العنصري في دول المركز الأوروبي (ألمانيا وفرنسا.. وبريطانيا) ذاهب باتجاه القبض التام على مراكز صنع القرار والحكم برمّته! والأكثر غمّاً من ذلك، هو أن «عقيدة» «البنتاغون»الخاصة باستحالة التعاون عن قرب، مع العسكر الروسي، لا تزال أقوى وأمتن من أي توجه أو قرار سياسي في واشنطن.. حتى لو جاء من«البيت الأبيض» ذاته!

بل يبدو في الإجمال، أنّ مناعة النظام الديمقراطي الغربي، أصلب كثيراً، من فيروسات الكرملين! ومن محاولاته الحثيثة (والفعلية!) للمسّ بركائزه والبناء على ظواهر عَرَضية وتأزّمية فيه، في سياق إستراتيجية الإحياء الروسية.. هذه الإستراتيجية التي يمكن الافتراض بأنها منسوخة في أطرها العامة، عن تلك المعتمدة من قبل الإيرانيين! هذه إقليمياً! وتلك دولياً! وعمادها سلوك مسالك العدم والفوضى والتخريب في الجهة «المقابلة» كشرط لا بدّ منه، لبناء حيثية القوّة العظمى ذاتياً!

لكن علّة هذه الاستراتيجية هي ذاتها قوّة الدفع فيها: العنف المؤدلج (في حالتي إيران وروسيا) ينكمش تبعاً لعُرْيه، وغياب أي مضامين داعمة له، اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وفنياً وعلميا.. الخ، عندما يُوَاجَهْ بثقل مضاد أو إذا صحّ التعبير بـ«عنف ليبرالي» من جهة الغرب وعنف قيمي دفاعي من جهة الجوار العربي والاسلامي (لإيران)! بحيث انه سريعاً ما ترسو المعادلة المركّبة على واقع شديد التبسيط: تلك القوى الهاجمة، المبنيّة أنظمتها على جذر العنف الاختصاري، لا تفهم سوى اللغة ذاتها!.. بل حقيقة الأمر، أنها تقدم بنفسها كل ما يدلّ على أنّها لا«تفهم»سوى تلك اللغة! ولا ترتدع سوى أمام الأقوى! ولا تفتح أذنيها سوى للضجيج الأكبر من ضجيجها! ولا توسّع مسارب الأوكسيجين (النقي!) الى العقول عندها إلا إذا كانت هذه معطّرة بروائح البارود!

.. وزير الدفاع الروسي يريد تحسين العلاقات مع «البنتاغون» لكنه«يحذر» من أنّ ذلك لن يتم إذا سعت واشنطن الى ذلك التعاون من«موقع قوة»!.. وكأن مشروع الإحياء الروسي بجملته يقوم على الموسيقى! والرئيس الإيراني يقول إنّ بلاده لا تتدخّل في شؤون الدول الأخرى ولا تريد ذلك، وكأنّ «الحرس الثوري» ليس سوى فرق أناشيد كشفيّة!.

قليل من التوازن يلجم الكثير من البلايا.. أم ماذا؟