IMLebanon

موازين المصالح تغلب موازين القوى؟

 

في القلق بصيص ضوء، كما كان يقول الكاتب الكبير صديق الجنرال ديغول ووزير الثقافة في أيامه أندريه مالرو. وما رافق أزمة الاستقالة التي أعلنها الرئيس سعد الحريري من قلق شاركت عواصم عربية ودولية اللبنانيين في التعبير عنه قاد الى أكثر من بصيص ضوء. فالرئيس ميشال عون احتوى الصدمة بالحكمة وصلابة الموقف المتمسك بالكرامة الوطنية ورفض البحث في الاستقالة قبل عودة الحريري الى لبنان. والرئيس نبيه بري شاركه في استنفار العلاقات الداخلية والخارجية لحماية الاستقرار، والحؤول دون نجاح أية محاولة للضغط على لبنان. والمرجعيات السياسية والدينية أعادت التركيز على الوحدة الوطنية في ما يتجاوز الرد على خطر الفتنة. ولا حدود لأهمية الدور الذي قام به الرئيس ايمانويل ماكرون مؤكدا ان فرنسا لا تزال الأم الحنون للوطن الصغير وسط كل متغيرات المنطقة والعالم.

وبصيص الضوء صار فجرا في المشاورات التي أجراها الرئيس عون مع رؤساء الأحزاب وممثلي الكتل النيابية. واذا كان بيان الرئاسة اكتفى بالاشارة الى البحث في معالجة الأوضاع التي نشأت عن اعلان الاستقالة ثم التريث، فان البحث تطرق أيضا الى الأوضاع التي سبقت الاستقالة وقادت اليها. والمهم ان نتائج المشاورات كانت ايجابية وبنّاءة، وان رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة توافقوا على النقاط الأساسية التي ستعرض على المؤسسات الدستورية بعد استكمال المشاورات. لكن الأهم هو تصحيح الخلل في ممارسة التسوية بما يحافظ على الاستقرار ويوظف الاستقرار في بناء مشروع الدولة.

ذلك ان الحل السحري الذي اسمه النأي بالنفس يصح فيه القول: ما أضيق وما أوسع مفهومه في آن. المفهوم الضيّق هو ما كنا نمارسه خلال السنوات الماضية، شعار في البيان الوزاري ينعكس على المواقف الرسمية، لا على مواقف المشاركين في السلطة. والمفهوم الواسع يبدأ من التزام السلطة بالجملة والمشاركين فيها بالمفرّق تحييد لبنان عن صراع المحاور الاقليمية، ولا ينتهي باستعادة الدولة قرار الحرب والسلم والعمل لضمان حياد لبنان، مع التأكيد على ما يتطلبه من سياسات كون لبنان عربي الهوية والانتماء.

والوقت حان لمواجهة التنمر الاقليمي والدولي على لبنان والتوقف عن التشاطر اللبناني في الأزمات. وحان أيضا لاخراج لبنان من لعبة موازين القوى للتركيز على موازين المصالح وفي طليعتها المصلحة الوطنية. فالاصرار على صنع السياسات بالرهان على موازين القوى، وهي بطبائع الأمور متغيّرة، كان ولا يزال وصفة للكوارث. ولا شيء يضمن التفاهم الحرّ على سياسات دولة حقيقية أكثر من التسليم بموازين المصالح تحت سقف المصلحة الوطنية.