كان المرشح الرئاسي ادلاي ستيفنسون يختصر مشهد الانتخابات الأميركية بسؤال معبِّر جدا: أين يبدأ السيرك وأين ينتهي الشطرنج؟. مثل هذا السؤال يعيش معنا من زمان في الانتخابات وسواها. وهو رافق ما دار في المداولات والألعاب التي أخذت وقتا طويلا قبل الاتفاق في اللحظة الأخيرة على طبخة قانون الانتخاب. ورافق المعركة الانتخابية بخطابها وتحالفاتها ونتائجها. ويرافق عملية تأليف الحكومة، حيث سمّى ١١١ نائبا الرئيس سعد الحريري في التكليف ليجد نفسه في حرب على جبهات عدة في التأليف.
لا بل ان المشهد اللبناني يتفوّق على المشهد الأميركي، حيث لا بداية ولا نهاية للسيرك والشطرنج المتداخلين دائما. لكن من يلعب الشطرنج معروف. ومن يمارس ألعاب السيرك معروف. والرابح الحقيقي في النهاية هو لاعب الشطرنج الهادئ المستفيد من حركات لاعب السيرك.
ومبروك للمختلفين على الحصص في الحكومة والمتفقين على وضع التأليف في اجازة. فالهدية جاءت من السماء في موعد جديد يبرّر الانتظار والتريث، هو القمة بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في هلسنكي يوم ١٦ من تموز المقبل. والرياضة الوطنية في لبنان هي انتظار أي حدث مهمّ في المنطقة والعالم قبل تأليف حكومة أو اجراء انتخابات نيابية أو رئاسية. وليس خارج المألوف، وإن تكرر الاعتراف بأن العقد محلية وسمعنا العواصم المؤثرة تدعونا الى استعجال التأليف، ان تكثر التحليلات التي تربط العملية الداخلية بمعركة درعا والضغوط الأميركية على ايران وصفقة العصر ومعركة الحديدة في اليمن وسواها من الأمور والأحداث. والحجة الدائمة هي ضرورة الانتظار لكي تأتي الحكومة أو الرئاسة على صورة التطورات الاقليمية والدولية ومثالها.
لكن الحكمة تقضي بالعكس. فالفراغ في السلطة يجعلنا أضعف أمام التطورات. واذا كان الفراغ مضرّا، فان ملء الفراغ ضروري لأسباب عدة بينها مواجهة التطورات من موقع القدرة على الفعل بدل العجز حتى عن ردّ الفعل. ولا شيء يبرر التأخير. فلا مجال للخطأ في قراءة موازين القوى قبل الانتخابات وبعدها. ولا مهرب في ترجمة موازين القوى ومعيار الأوزان والأحجام من وضع موازين المصالح على الطاولة بما يفرض على الجميع ربط الأوزان السياسية بالتوازن الوطني.
والمسافة واسعة جدا بين ما وراء الصراع على الحصص في الحكومة وبين ما تحتاجه معالجة الوضع الاقتصادي والمالي الصعب من رؤية انقاذية ومن نوعية الحكومة والوزراء. وليت الذين يتصرّفون كأنهم أشطر من ماكيافيللي يأخذون منه نصيحة واحدة هي انه ليس من الحكمة ان تدافع عن شيء من الواجب التخلّي عنه.