لبنان أمام تجربة شغور رئاسي مستفحل يزيد على عام ونصف العام ولم يعد قابلاً للمقارنة مع سابق فراغ السدة. بهذا المعنى فإنّ كل اقتراح عملي يقدّم لإنهاء حال الشغور على جناح السرعة يمتاز بنقطة تفاضلية على الطروح التي لا منفذ عملياً إليها لإنهاء حال الشغور.
في الوقت نفسه، كلما طال الشغور كلما صعبت عملية معالجته كيفما كان، ليس فقط من باب جواز الأمر أو عدم جوازه، بل وقبل كل شيء من باب التمكّن من إنجاز ملء الشغور.
كلما استفحل الفراغ الدستوري كلما صار حلّ المعضلة يتطلّب معايير واضحة لا تقتصر على مواصفات الشخص المطلوب، بل تشمل محدّدات المرحلة القادمة.
لقد وصل البلد إلى جملة «طرق مسدودة». الشغور الرئاسي أحدها. قانون الانتخاب مسألة «يا محلاه« الشغور حيالها. هذا عندما تختلف القوى السياسية الأساسية في ما بينها، لكن أيضاً البلد وصل إلى طريق مسدودة في قطاع النفايات، مع أن القوى السياسية لم تنقسم بشكل استقطابي في ما بينها حوله، بل وجدت نفسها متأهبة لمحاصرة النقمة الشعبية، وتجفيف «الحراك المدني»، من دون معالجة الملف. الملفات العالقة تتراكم. كل هذا ولم نذكر مشكلة سلاح «حزب الله»، وحربه في سوريا.
حيثما وليت تجد طريقاً مسدوداً. أزمة حكم معطوفة على أزمة تمثيل معطوفة على أزمة شرعية على أزمة معايير على أزمة كيان. الكل يقرّ بذلك على طريقه. الجميع يردف في الوقت نفسه: ليس وقت البحث عن معالجة جذرية وشاملة لكل هذا. لا بأس، لكن ما الحل؟
منذ مدة جرى الاتفاق على أن الحل يكون بـ»باكيدج». لكن «الباكيدج« لا يمكن أن يكون مبهماً، ولا يمكنه أن يقتصر على ترشيحات.
لا «باكيدج« من دون تصوّر يتّفق عليه لقانون الانتخابات، وتحديد موعد للانتخابات النيابية، وتحديد معايير أساسية لمعالجة متدرجة للملفات العالقة والمستعصية الأساسية.
لم يعد البلد يحتمل شغوراً رئاسياً «بلا سبب دستوري» سوى عصيان نيابي يحول دون اكتمال النصاب. لكنه يحتمل مرحلة «إياب» في النقاش السياسي، باتجاه دسترة المسائل: إنهاء الشغور ينبغي أن يربط بهدف. هدف إعادة إحياء ثلاثي البرلمان والحكومة والقضاء في هذا البلد.
الإحياء الأول يبدأ من قانون انتخابات ثم انتخاب. الإحياء الثاني يبدأ بفهم كيف لن يتكرر التعطيل. الإحياء الثالث يكون بفهم كيف يمكن للقضاء أن يكون سلطة بإزاء السلطتين التشريعية والتنفيذية. شخصنة المسائل بدلاً من ذلك لا تؤدي إلى نتيجة مفيدة.
الشغور الذي زاد على حدّه ما عاد يمكن أنْ يعالج من دون خارطة طريق لما بعد إنهاء حال الشغور، وما لم تبلور خارطة الطريق هذه فلا شيء حتمياً، سوى استفحال الشغور مدة إضافية.
يحتاج البلد إلى خارطة طريق متوازنة لإنهاء الشغور. خارطة طريق يعرف بموجبها كل فريق بماذا ضحى وماذا كسب. ويعرف بعدها كافة الفرقاء كيف يحتكمون الى صناديق الاقتراع ثم ينتظمون في المؤسسات.
لا شيء يمكنه أن يحل مكان خارطة طريق كهذه.