كشفت مصادر نيابية مواكبة للمناقشات الجارية لمشروع قانون موازنة العام الحالي، عن تحوّل كبير في مسار العمل الحكومي لجهة الأخذ بالإعتبار لارتفاع منسوب العجز الذي يلامس اليوم الخطوط الحمراء، وينذر بتهديد الإستحقاقات الدولية الكبيرة التي تنتظر لبنان اعتباراً من الشهر الحالي. وقالت هذه المصادر، أن رئيس الحكومة سعد الحريري يبحث مع الوزراء، كما مع الأطراف المعنية، في إمكانية إرجاء البحث في النقاش حول الملف المالي خلال الفترة الراهنة، ومن دون أن يكون السبب الأساسي التطورات السياسية الأخيرة، بل على العكس أوضحت المصادر أن خطورة الوضع المالي وصعوبة إنجاز النقاش اللازم في مجلس النواب وليس فقط في الحكومة، تشكّلان الدافع الأساسي وراء أي تأجيل.
ولفتت المصادر في هذا الإطار، إلى محاولة لتغيير الإنطباعات الدولية عن الوضع اللبناني، وهو ما يركّز عليه كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري، عبر النقاش الجدّي في مواجهة أرقام العجز المخيفة التي وردت في مشروع قانون الموازنة، وبالتالي، فإن ما يطرح حول تخفيف الإنفاق، والتدقيق في كل المصاريف التي تجري تحت عناوين «وهمية»، ليس كلاماً إنتخابياً، كما أكدت المصادر النيابية نفسها، إذ أن قوة الدفع المطلوبة من خلال تخفيض أرقام العجز، لا تتحقّق إلا من خلال تغيير نمط العمل في الملف المالي، علماً أن الخطوة الأولى تتركّز في عدم العودة إلى الصرف وفق القاعدة الإثني عشرية، وهو ما بدأ العمل به منذ مطلع العام الجاري نتيجة التأخير في إقرار موازنة 2018.
وأضافت المصادر نفسها، أن مؤتمر باريس المقبل يستلزم من الحكومة القيام بخطوات تساهم في تعزيز صورة لبنان في الخارج، وهذا الأمر لن يتحقّق إلا من خلال إشاعة مناخ من الشفافية في كل المجالات وفي كل إدارات الدولة، وذلك، على الرغم من أن الدعم الدولي، أو على الأقل القرار الخارجي، هو متاح، وبالتالي، يجب الإستفادة منه قبل فوات الأوان، خصوصاً وأن مؤتمر روما المخصّص لدعم الجيش وتعزيز قدراته العسكرية، قد أصبح واقعاً بفعل تقاطع الإرادات الدولية والإقليمية، وفي مقدّمها توجّه الولايات المتحدة الأميركية إلى مساعدة الجيش لكي يواصل مهامه في تثبيت الأمن وحماية الإستقرار، ومحاربة الإرهاب الذي لا يزال يشكّل تهديداً للبنان، كما لكل دول العالم.
ولذلك، تضيف المصادر النيابية المواكبة، فإن السير في المؤتمرين المتبقين وهما باريس وبروكسل، يتطلّب المزيد من الجهود اللبنانية الرسمية على مستوى إدخال إصلاحات جدية وحقيقية، وليس وعوداً على غرار ما حصل قبل وبعد مؤتمرات باريس الثلاثة التي عقدت من أجل دعم لبنان مالياً واقتصادياً. أما الأمر الآخر المطلوب من الدولة تقول هذه المصادر، فهو مواصلة العمل مع عواصم القرار في المنطقة ومع المجتمع الدولي لكي تعود الثقة بلبنان، ولكي يتم عرض التأثيرات السلبية لاستضافة لبنان العدد الهائل من اللاجئين السوريين على أراضيه منذ سنوات. وفي هذا الإطار، فإن لبنان يملك كل الحق في الحصول على دعم دولي وعربي من أجل تحمّل هذا العبء، وذلك في الوقت الذي يعاني فيه من أوضاع إقتصادية خانقة ولأسباب متعدّدة.
وبالنسبة لتخفيض أرقام العجز التي تلامس حدود 60 في المئة من قيمة الموازنة، فقد كشفت المصادر النيابية نفسها، أن كل ما تحقّق حتى اليوم من تخفيضات لم يصل بعد إلى عتبة الـ20 في المئة التي كان أكد عليها رئيس الحكومة لدى بدء إعداد مشروع قانون موازنة 2018. وأوضحت أن فارقاً كبيراً يسجّل ما بين ما تنشده الحكومة وبين ما هي قادرة على تنفيذه في سياق تخفيض النفقات، خصوصاً وأن أوضاع كل وزارة تختلف بشكل كبير عن بعضها البعض، كما أن الملف الأبرز وهو ملف الكهرباء، قد عاد إلى نقطة الصفر من حيث النقاش بعدما تقرّر بالأمس تحويل ملف البواخر إلى مجلس الوزراء مجدداً.
وخلصت المصادر نفسها إلى أن الأسبوع المقبل سيكون حاسماً بالنسبة للتباين في الآراء ما بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يدعو إلى إقرار الموازنة قبل الإنتخابات النيابية وبين القوى السياسية الأخرى المكوّنة للحكومة، التي ترى أن فرملة هذا الموضوع باتت ملحّة اليوم للخروج من أزمة العجز الخطير الذي لامس مستويات خطيرة، وبات يهدّد صورة الدولة في الخارج.