Site icon IMLebanon

كرة الرئاسة في ملعب إيران  

بدأ يسيل حبر كثير حول انعكاسات التوتّر السعودي الإيراني على لبنان وتحديداً على مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية. قيل وسيقال أكثر إن هذا التشنج غير المسبوق الذي بلغ حدّ قطع العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران سوف يجهض المبادرة المشار إليها، وبالتالي سيعيد عقارب الاستحقاق الرئاسي إلى الوراء، أي إلى المربّع الأول.

نظرياً وعملياً هذا الترويج يعني أن إيران لا تريد للمبادرة أن تبصر النور، وأن ادعاء «حزب الله»، الذي طالما أكد مراراً وتكراراً وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، أنه يبني سياساته الداخلية بمعزل عن الحسابات الإيرانية، يجافي الوقائع.

لماذا؟

لأسباب كثيرة، تقول أوساط سياسية مواكبة للمبادرة الرئاسية ولمواقف الأطراف الداخلية منها، أبرزها أن المبادرة المشار إليها أطلقت بمعزل عن الأجواء الإقليمية سواء كانت متصلة بالوضع السوري أو بالعلاقات السعودية الإيرانية. أي أنها مبادرة محلية أطلقها الرئيس الحريري بعيداً عن الحساسيات الإقليمية المعقّدة والمتفاقمة، لا بل أرادها في سياق النأي بلبنان عن أزمات المنطقة، وإلا اصبح الأخير في لائحة الانتظار والمنتظرين لحلول المنطقة.

كما أن هذه المبادرة، على ما تضيف الأوساط، جاءت لمواجهة مخاطر داخلية تُوِّجت بفراغ شامل طال رئاسة الجمهورية ومعها مجلسا النواب والوزراء، وأصبح يهدّد الدولة بالانحلال، وبمعزل عن مناخات المنطقة التي لم تكن على أحسن حال لدى إطلاقها لا على مستوى الجوار (سوريا) ولا على مستوى العلاقات السعودية الإيرانية.

لذلك تعتقد الأوساط أن ربط المبادرة الرئاسية الآن بالوضع الإقليمي لا يعني سوى ذريعة لتغطية رفض إيران لهذه المبادرة، وأن «حزب الله» الذي لم يعلن حتى اليوم موقفاً رسمياً إزاء هذه المبادرة (باستثناء الإعلان عن رفضه الطلب من النائب ميشال عون الموافقة عليها طالما أنه مرشح) ليس في وارد التفاعل معها لأسباب إيرانية.

ولعلّ أبرز دليل على ذلك ما ورد على لسان السفير الإيراني في لبنان محمد فتحعلي بعد زيارته للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي السبت الفائت، حيث أكد رفض حكومته «التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية» (الرئاسية)، وهو شعار يراد منه الإيحاء في الشكل بالحرص على السيادة اللبنانية، لكنه يعني في الواقع عدم وجود نية إيرانية لتسهيل المبادرة ولا سيما أن أوساطاً مقرّبة من بكركي كشفت أن فتحعلي عبّر في اللقاء عن رفض صريح لمطلب البطريرك الراعي الضغط على «حزب الله» للنزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس.

وهذا يعني أيضاً، بحسب الأوساط، أن إيران تحفظت عن إبداء موقف إزاء المبادرة الرئاسية قبل إعدام الشيخ نمر النمر، أي قبل تأزم العلاقات السعودية الإيرانية المشار إليها، وأن ربط هذه المبادرة الآن بهذا التأزم لا يمكن تفسيره إلا ذريعة لتجنّب اتخاذ موقف إزاء هذه المبادرة.

في أي حال تعتقد الأوساط المتابعة عن كثب لأجواء المبادرة أن الاختبار الأول لموقف «حزب الله» واستطراداً إيران في هذا الملف سيكون على طاولة الحوار بين تيار «المستقبل» والحزب الاثنين المقبل في عين التينة. فعلى هذه الطاولة التي أراد «المستقبل» أن تكون إطاراً لمعالجة عنوانين، التشنج المذهبي من جهة والملف الرئاسي من جهة ثانية، يفترض أن يظهر الخيط الأبيض من الأسود، فإما يثبت الحزب رغبته في «منع الفتنة» كما أعلن السيد نصرالله في إطلالته الأخيرة وفي النأي بلبنان عن أزمات المنطقة، وإما يتذرّع بهذه الأزمات لمنع انتخاب رئيس للبنان، وبذلك يكون قد أثبت مرة جديدة أن إيران التي طالما هدّدت استقرار دول المنطقة ومجتمعاتها، هي تهدّد أيضاً استقرار لبنان.