لن تنقطع «شعرة معاوية» بين روسيا فلاديمير بوتين، وتركيا رجب طيب أردوغان، إن في السياسة أو في الميدان، لأنّ الرئيسين العتيدين يُجيدان «اللعب» على حدود هاوية الإشتباك… فوق سوريا، وعلى أرضها.
لكل من الرجلين حسابات شخصية ووطنية، ويتمتعان ببراغماتية تتأكّد في كل حدث، بدليل إنكفاء ساكن الكرملين أمام «الهجمة» الغربية على تركة السوفيات في ليبيا، وابتلاع سلطان اسطنبول، الإطاحة بـ»إخوان» مصر، في صناديق الإقتراع.
لا مؤشر الى انفلات عقال تداعيات إسقاط «السوخوي» فوق جيب اسكندرون بين تركيا وسوريا، على رغم التوتر الموزن للرئيس الروسي، في مقابل الاستيعاب الهادئ للرئيس التركي، والشواهد كثيرة، طليعتها تأكيد أردوغان عدم الرد على ردود الفعل «الإنفعالية» لموسكو، وعدم المس بالمواطنين الروس أو مصالحهم … إذ «من غير الوارد طرد مواطنين روس… هذا لن يليق بتركيا».
ومع تهذيب مشكوك بصدقيته، إنتقد أردوغان العقوبات الإقتصادية التي فرَضتها روسيا التي يفترض أنها شريكة استراتيجية… غامزاً من قناة التخلّي عن الغاز الروسي، المصدر الأبرز للطاقة في تركيا.
«ثعلب» الكرملين، لن يفرّط بالمصالح الكبرى لبلاده واستثماراتها في تركيا، لكنه لن يُمرّر حادثة خسارة «السوخوي» بلا ثمن، على الأقل لتفادي تكرارها… وبعد ممانعة في قمة المناخ، بإصرار بوتين على رفض لقاء أردوغان في باريس، أحيل الأمر الى وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي يلتقي نظيره التركي محمود جاوش أوغلو، خلال قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في بلغراد.
بوتين وأردوغان في موقعيهما الإستراتيجيين في عمق الأزمة السورية، وعلى أطرافها، يحسبان بميزان الذهب أكلاف كل خطوة. فموسكو التي تتقاطع مصلحتها مع «الناتو» ضد «داعش»، منذ هجمات باريس الإرهابية، لن تفرّط بالإنعطافة الغربية العابرة في دعوة المعارضة السورية المعتدلة، الى التعاون مع قوات الأسد، لمواجهة «داعش»، وهي قد تحصد ميدانياً ما يعوّض سياسياً السعي الغربي ضد الإرهاب، الذي عبّر عنه رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون، بأنّ الخلاف مع روسيا في شأن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، تقلّص… وسيتقلّص أكثر، مع استئناف مفاوضات فيينا.
كما أن بوتين لن يرغب في كسر «هيبة» تركيا، رأس حربة «الناتو» في المتوسط، ما دام التأنيب الأميركي يكفي… ويجنّب خوض مغامرة هامشية، قياساً للحرب الواسعة في وجه «داعش»… وهنا سلّفت واشنطن الكرملين، بإعلان وزير خارجيتها جون كيري أن روسيا يمكن أن تلعب دوراً «بناءً جداً» في سوريا، مع الإشادة بـ«التزام» موسكو في المحادثات من أجل إنهاء النزاع… ناهيك عن التطمين بأن «توسّع الحلف الأطلسي شرقاً لا يستهدف روسيا»… وأنّ واشنطن وأنقرة ستتشاوران حول التنسيق البرّي والجوّي قرب الحدود مع سوريا.
سذاجة الركون لهذه التطمينات، حوّلها بوتين سريعاً الى ضمانات حسّية، بنشره في سوريا صواريخ استراتيجية، من طراز «أس 400»، يكسب عبرها خطوة متقدمة على «الناتو»، الذي عليه التسليم بدور ريادي واسع لموسكو في محاربة الإرهاب، مع تعاون مدروس ومحدّد للغرب، جواً، ولفصائل المعارضة المعتدلة، ميداناً، بما يُعيد خلط «الأوراق» على قاعدة مواجهة الإرهاب بشتى الوسائل ومختلف الجغرافيا، وتأجيل بحث مصير رأس النظام، مرحلياً والى حين غير محدد.
طبعاً، لا أنقرة ولا عاصمة «الناتو» بروكسل، توزّعان «الهدايا» بالمجان، فالأولوية تبقى في الحسابات إبعاد الأسد، في المرحلة الإنتقالية وما بعدها، وتتعزّز هذه الأولوية مع الرياض، التي ترعى لقاءً يجمَع شخصيات سوريّة مقبولة للتفاوض، بما يُمهّد للحلحلة بورقة من هنا مقابل أخرى من هناك… فيما يمتلئ الوقت الضائع بمزيد من الضحايا داخل سوريا، ومزيد من ضحايا السياسة، المصنّفين متشدّدين أو أقل تشدّداً.