عادت الاوراق السورية الى الاختلاط مجدداً بعدما سادت الفوضى مشهد التسوية السياسية بسبب النزعة الانفصالية الكردية في كردستان العراق، ومع اقتراب انعقاد جلسات مؤتمر الآستانة لاستكمال التفاوض حول انهاء الازمة السورية بشكل سلمي والتسليم ببقاء الرئيس بشار الاسد وايجاد صيغة للحكم ما بعد الازمة. وتفيد معلومات متقاطعة لبنانياً وسورياً ان الازمة السورية عادت الى الواجهة بعدما انحسرت اعلامياً وسياسياً بفعل طغيان ملفين اساسيين في المنطقة: الاول ملف النووي الايراني وتلويح الرئيس الاميركي دونالد ترامب بوقف تنفيذ الاتفاق وتحويله الى الكونغرس للاقراره عليه او وقف تنفيذه وهو امر تؤكد المعلومات انه لن يتم كما ابلغ الاميركيون اكثر من طرف في المنطقة وترى ان التهويل الاميركي هو للضغط على ايران ولتحقيق مكاسب سياسية وامنية وعسكرية لاميركا وحلفائها في المنطقة وللضغط على الروس ايضا في النووي الايراني والعقوبات الاميركية على الروس بفعل التعامل مع ايران واعادة تحريك ملف جزر القرم.
الملف الثاني هو الحركة الانفصالية الكردية في كردستان العراق من اربيل الى كركوك والسليمانية وتراجعها ميدانيا وانكفائها عن كركوك بعد تدخل بغداد العسكري بعد علو خطاب الاكراد السياسي بعد الاستفتاء وبروز تراجع اميركي – سعودي عن دعم هذا الانفصال لكلفته العالية فالاميركيون يخشون على مصالحهم المضمونة في كردستان فلماذا يعرضونها للخطر بصدام مسلح بين حكومة بغداد المركزية والاكراد؟ وتنبه المعلومات الى وجود خطين ناشطين في كردستان العراق الاول اميركي يريد الهدوء والتسوية بين بغداد والاكراد، والثاني اسرائيلي يعتقد ان الانفصال في كردستان وسلوك اكراد سوريا وتركيا وايران درب اكراد العراق في التقسيم يخدم اسرائيل وخطط التقسيم العرقي والطائفي في المنطقة بما يشرذم صفوف اعدائها ويضعف حضورهم كدول مستقلة على كل اراضيها.
لهذه الاسباب تؤكد المعطيات المتقاطعة لبنانياً وسورياً ان زيارة وزير شؤون الخليج ثامر السبهان الى الرقة بدعم ومباركة اميركية هي استكشافية وبالون اختبار لقياس ردة الفعل على اي استلحاق سعودي للعودة سوريا قبل اكتمال عقد التسوية. فالسعودية تسعى الى ان يكون لها دور مباشر في الميدان السوري وهو امر لم يتحقق لها بالواسطة فـ«داعش» على طريق الانتهاء و«جبهة النصرة» او «فتح الشام» ممسوكة تركيا كما بعض فصائل ما يسمى «الجيش الحر» تابعة لتركيا كما ان بعض القوى المعارضة التي تسمى بمعارضة الرياض مشرذمة ومفككة، فلا يبقى امام الرياض الا ان تحضر شخصيا وعبر السبهان الذي لا يعتبر من الصف الاول سعوديا بل هو كما تصفه قيادات بارزة في محور المقاومة بأنه من «الصف الثالث الرديء» والذي تريده القيادة السعودية الجديدة لاجراء الاختبارات السياسية وقياس ردات الفعل على اي دور محتمل سعودي في سوريا ما بعد الازمة.
ولا تخفي القيادات المذكورة ان الحضور السعودي في التسوية لا يشكل «ازعاجاً كبيراً» للفريق المنتصر في سوريا. فأي اتفاق في حاجة الى غطاء سني كبير والى ممول مليء لاعادة الاعمار. وتكشف القيادات المذكورة ان القيادة السورية وحزب الله وايران لا يمانعون الحوار مع السعودية ويقبلون مساهمة الرياض في إعادة اعمار سوريا وبطي صفحة الازمة بما يضمن سيادة ومصلحة سوريا.
التطوران اللذان رافقا زيارة السبهان و«الظهور السعودي الاول» بعد طول انتظار على ارض سوريا ولو في منطقة يحاول الاميركيون تصويرها انها باكورة الانجازات على الارهاب في الرقة وسوريا، كانا من العيار الثقيل ايضاً، من التصدي السوري المباشر الاول للطيران الحربي الصهيوني فوق لبنان وفي الامر رسالة واضحة من سوريا وقيادتها السياسية والعسكرية ان الانتصار على الارهاب بدأ يتمظهر على الميدان فكما وضع الجيش السوري وحلفاؤه حدا للجماعات التكفيرية فإنه سيضع حداً لاي خرق اسرائيلي او اعتداء ينفذ من فوق الاجواء اللبنانية. وهنا تستبعد القيادات البارزة في محور المقاومة ان ينجر العدو الى تصعيد شامل مع ايران وحزب الله وسوريا وسيحسب الف حساب من الان وصاعداً قبل تنفيذ اي اعتداء لان الرد سيكون في الاراضي المحتلة وليس فقط التصدي ومنع الخروق.
التطور الثاني وتمثل ايضا باستشهاد القائد الكبير في الحرس الجمهوري السوري اللواء عصام زهر الدين والذي تصفه القيادات بالخسارة الكبيرة وبرجل مقاوم واستثنائي في الازمة السورية وحقق انجازات واسهم في النصر على داعش والنصرة. وترفض القيادات كل ما يتردد عن اغتيال او تصفية «داخلية» للشهيد زهر الدين فهذا الكلام يشكل اساءة وهدر لدم الشهيد فربما يكون اغتيال نفذه التكفيريون او هو ببساطة ما ذكر انه لغم ارضي من عشرات الالغام والمفخخات التي زرعها الارهاب في كل مكان وقد يحدث انفجارها في اي لحظة كما جرى منذ فترة وجيزة باستشهاد القيادي في المقاومة عباس العاشق ومجاهدين آخرين كانا برفقته.