Site icon IMLebanon

بان كي مون «شاهِد زور» على سقوط لبنان

أخطر ما في تقرير الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون أنّه يُثبت، بالوثائق، أنّ المجتمع الدولي يريد إنهاء الكيانات القائمة حالياً في الشرق الأوسط. فلبنان والأردن – على الأقل – سيسقطان بالضربة القاضية، لأنّ التركيبة الديموغرافية في كل منهما لا تتحمّل توطين النازحين: في لبنان توازن طائفي ومذهبي حسّاس جداً، وفي الأردن، الفلسطينيون هم أساساً أكثرية! فهل هناك أفضل من الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات وضرب الاقتصاد لبلوغ «الهدف الكبير»؟

في صبيحة اليوم الذي كان اللبنانيّون غارقين في الصناديق لمعرفة مَن فاز في انتخابات بيروت البلدية، 9 أيار، كان بان كي مون يُطلق تقريره القاتل للبنان، داعياً إلى منح النازحين حقوق الإقامة والعمل والحصول على الجنسية.

وهكذا، مرّ التقرير بهدوء، وأرفقه بان بمقال إيضاحي نشره على الموقع الرسمي للمنظمة الدولية وختمه بالعبارة الآتية: «علينا أن نتقبّل الفرص التي يتيحُها اللاجئون والمهاجرون لمجتمعاتهم الجديدة». وعبارة «مجتمعاتهم الجديدة» كفيلة وحدها باختصار الفحوى التوطيني للمقال!

الأكثر إثارة في ردّات فعل بعض المسؤولين اللبنانيين هو قولهم إنهم «فوجئوا»، ومسارعتهم إلى الإنكار: «الرجل لم يتحدث أبداً عن التوطين في زيارته لبيروت، في آذار الفائت».

لكنّ كل المعطيات تؤكّد العكس. كما أنّ كل الرسائل الدولية التي يتلقّاها لبنان في استمرار، منذ أعوام، تحمل دعوات واضحة لكي يقبل بتوطين السوريين والفلسطينيين. ولذلك، لم يعد التوطين مجرّد «فزّاعة» كما يقول البعض، إمّا عن جهل وإمّا عن تجاهل لغايات معينة.

جاء الأمين العام للأمم المتحدة إلى بيروت «مدجّجاً» برئيس البنك الدولي الذي حاول إغراء لبنان بمساعدات ليست في الواقع سوى قروض عليه أن يسدِّدها لاحقاً، وهي عملياً «رشوة» يُراد منها «تبليع» لبنان الموافقة على توطين السوريين والفلسطينيين على أرضه. وهذا ما أعلنه في وضوح يومذاك الوزير جبران باسيل وما حذّر منه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي التقى بان وسلّمه رسالة.

يومذاك، أرادَ البعض تسليط الضوء على هدف آخر للزيارة هو انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا العنوان كان للتغطية فقط، لأنّ آخر هموم الأمم المتحدة ملء كرسي شاغر في بعبدا.

سبق الزيارة وقف «الأونروا» مساعداتها للفلسطينيين، وسط كلام على إنهاء دورها وضمّ ملف النازحين الفلسطينيين إلى المفوضية العليا للاجئين، ما يعني في المعنى القانوني إنهاء خصوصية اللجوء الفلسطيني والحقّ في العودة.

وقرّر الفلسطينيون استقبال بان كي مون بتحركات في المخيمات والاعتصام في مقرّ «الأونروا» في بيروت. ولكن، بسحر ساحر، انفجر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة بمبادرة «داعش» وأخواتها، في اللحظة الحرجة، وتعطّلت التحرّكات، وأنجز بان كي مون زيارته «في سلام»، مع أنّ أحداً لم يوجِّه «الشكر» لـ«داعش» على ما قامت به!

المعلومات التي تسرّبت يومذاك عن لقاءات بان في لبنان كشفت أنه سعى لإقناع المسؤولين اللبنانيين بتسهيل إقامة النازحين الفلسطينيين والسوريين وعملهم ومنحهم أوراقاً ثبوتية، إلى أن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم عندما يصبحون قادرين على ذلك، أي عندما تتوقف الحرب ويشعرون بأنهم سيكونون هناك في أمان، وعندما يُعاد بناء منازلهم.

طبعاً، المسؤولون اللبنانيون أبلغوا الى الزائر الكوري أنّ للبنان خصوصيات ديموغرافية حسّاسة وأنه لا يتحمّل مغامرة من هذا النوع. وانتقلوا إلى تذكيره بما يتوجّب على المجتمع الدولي أن يسدِّده من مساعدات للبنان لكي يتحمّل أعباء النزوح في شكل موقّت. لكنّ بان لم يتراجع عن الفكرة التي جاء لتسويقها في الدول المجاورة لسوريا، وتحديداً لبنان والأردن وتركيا.

الحلقة الأهمّ، المطلوبة من لبنان، هي أن يوقِّع اتفاق جنيف للاجئين (1951)، وهذا مطلوب من الأردن أيضاً. وفي مؤتمر برلين للاجئين، خريف 2014، أصرّ لبنان على رفض توقيع الاتفاق، ومنعاً لوقوع أزمة، سُحِبَ البند المتعلق بالاتفاق من البيان الختامي. لكنّ دولاً بقيت تحاول إقناع لبنان بالتوقيع، ولا سيما منها ألمانيا وتركيا.

ويكشف معنيون بالملف أنّ الضغوط ستزداد على لبنان لإرغامه، في النهاية، على الرضوخ لهذا الاتفاق الذي يلزِم الموقِّعين عليها، والتي ترعى أوضاع اللاجئين في الدول المضيفة، بدءاً بضمان حقوقهم في السكن والعمل وانتهاء بمنحهم وثائق السفر والجنسية.

ووفقاً للاتفاق، تحتفظ المفوضية العليا للاجئين بـ»التزام رقابي» على الدولة المضيفة في مجال اللجوء. فهي تتدخّل حسب الاقتضاء لمنح اللاجئين صفة اللجوء وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرض فيها حياتهم أو حرياتهم للخطر. وتعترف المفوضية في شرحها للإتفاق: «قد تنشأ حالات يندمج فيها اللاجئون بصورة دائمة في بلد لجوئهم».

وينصّ اتفاق جنيف على عدد من البنود التي يصعب على لبنان أن يتحمّل عواقبها، وأبرزها ما يأتي: تأمين الإغاثة والمساعدة العامة، تأمين التعليم الأولي لأولاد اللاجئين، والإعفاء من الرسوم والتكاليف وتقديم المنح المدرسية.

ويمنحهم الاتفاق الحقّ في السكن وحماية الملكية الصناعية والانتساب إلى النقابات والجمعيات غير السياسية التي لا تبغي الربح المادي، ويتيح لهم ممارسة العمل المأجور بالمساواة في الحقوق مع مواطني الدولة، والعمل لحسابهم الخاص في الزراعة والصناعة والحرف اليدوية والتجارة، وكذلك في إنشاء شركات تجارية وصناعية.

كذلك يمنح الاتفاق اللاجئين الحق في اختيار محل إقامتهم والتنقل الحرّ ضمن أراضي الدولة وإصدار بطاقة هوية شخصية لكل لاجئ لا يملك وثيقة سفر صالحة، وإصدار وثائق سفر لتمكين اللاجئين من الانتقال إلى الخارج.

وتمتنع الدول المتعاقدة عن تحميل اللاجئين أيّ أعباء أو رسوم أو ضرائب باستثناء الرسوم المتصلة بإصدار الوثائق الإدارية، بما فيها بطاقات الهوية.

ولا يجوز فرض عقوبات جزائية على اللاجئين بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني شرط أن يقدموا أنفسهم إلى السلطات بلا إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني.

ولا يجوز للدولة أن تطرد لاجئاً أو تردّه بأيّ صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.

والأبرز: تأمين استيعاب اللاجئين ومنحهم الجنسية. وينصّ الاتفاق على أن تبذل الدولة كل ما في وسعها لتعجيل إجراءات التجنّس وخفض أعباء هذه الإجراءات إلى أدنى حدّ ممكن. ويُمنح اللاجئون المعاملة الممنوحة للمواطنين في الأجر والإعانات العائلية والضمان الاجتماعي.

المتابعون يعتقدون أنّ التزام لبنان بفحوى الاتفاق يعني بقاء أكثر من مليوني نازح سوري وفلسطيني، وتحت رعاية دولية، بلا أفق زمني محدَّد. وبعد ذلك، يكون وارداً ذوبان هؤلاء في المجتمع اللبناني ومنحهم الجنسية عاجلاً أو آجلاً. وهذا يعني التوطين الذي يتخذ طابع الأمر الواقع أولاً ثم ينتهي بالتكريس الرسمي.

وفي المبدأ، عندما يتمّ التوطين سيكون التقسيم رديفاً له.

يريد بان كي مون من لبنان أن يتبرّع بالجنسية للنازحين. فلماذا لا يتبرّع لهم بالجنسية الكورية؟ وهذا الرجل ليس سوى موظف دولي برتبة «باش كاتب»، يكتب التقارير التي تقرِّرها القوى الكبرى. وتقريرُه عن اللاجئين جزء من ملامح الشرق الأوسط الذي تطمح إسرائيل إلى استيلاده.

فهل سيقاوم لبنان هذا المخطط الواضح أو هو سيسقط تحته؟

الخوف هو أن تضعط القوى الدولية على لبنان إلى حدّ «قطع الهواء» عنه لإجباره على الرضوخ. وعندئذٍ، لا أحد يستطيع التكهن بما سيجري إلّا أصحاب المخطط المرسوم.