Site icon IMLebanon

بان يقصد توطين وتجنيس النازحين

«تخّنها» الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من خلال ما اقترحه في تقريره الصادر بتاريخ 21 نيسان الفائت، تحت عنوان «بأمان وكرامة: التعامل مع التحرّكات الكبيرة للاجئين والمهاجرين»، الذي قدّم فيه رؤيته لحلّ الأزمة السورية ، وهو يعرض معلومات أساسية وتوصيات في إطار التحضير للإجتماع العام الرفيع المستوى بشأن هذا الموضوع المزمع عقده في نيويورك في 19 أيلول المقبل، أنّه على الدول المضيفة للنازحين السوريين استيعابهم وتجنيسهم وتوطينهم. ولهذا لم يعد يجوز السكوت عن الحلّ «الشامل» هذا، على ما وصفته المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ في وزارة الخارجية بعد أن استدعاها الوزير جبران باسيل أمس للإستفسار منها عمّا ورد في تقرير الأمين العام حول هذا الموضوع. كما لا يمكن للبنان تنفيذه بأي حال من الأحوال، وكأنّ «الكلمة» لا تزال تأتيه من الباب العالي.

فزمن الإنتداب والوصاية والاستعمار قد انتهى، على ما قالت أوساط ديبلوماسية لبنانية متابعة، وعلى الأمين العام الذي تجرّأ وقدّم «مقترحات» من هذا النوع تتعلّق بالتجنيس والتوطين لحلّ أزمة النازحين السوريين بدلاً من إعادتهم جميعهم الى بلادهم من ضمن المفاوضات الجارية لإيجاد الحلّ النهائي والشامل للأزمة السورية، أن يُعيد النظر بمقترحاته، هو الذي يعلم ما ينصّ عليه جيّداً الدستور اللبناني برفض التوطين. علماً أنّه عندما زار بان لبنان أخيراً نفى أنّ هدف زيارته هذه هي «توطين النازحين السوريين»، أو إيجاد «وطن ثالث» لهم يُفتّش عنه في دول العالم، بعد أن رفضت الدول الأوروبية إعطاء اللجوء لهم، بل لبضعة آلاف منهم فقط.

وإذ حاولت كاغ من الخارجية التذرّع بأنّ بان على علم بما ينصّ عليه الدستور من رفض التوطين، وأنّ تقريره يقول بأنّه لا بدّ من تطبيقه مع الأخذ بالاعتبار دساتير وقوانين الدول المضيفة لهم، وأكّدت أنّ التقرير لم يأتِ على ذكر لبنان، في محاولة منها لطمأنة اللبنانيين، ولهذا لا يجب القيام بمثل هذه الضجّة، على ما فُهم من كلامها، وأنّه بالتالي على بان «الإعتذار» (على ما قالت بنوع من السخرية) من لبنان لعدم ذكره إيّاه في تقريره إيجاباً والإشادة به نظراً لاستضافته أكبر عدد ممكن من النازحين هو أصغر بلد من بين الدول المضيفة لهم.. لم تستطع، على ما أضافت الأوساط، إقناع المسؤولين والشعب اللبناني بنوايا بان الصافية من أنّه لا ينوي توطين جزء كبير من النازحين فيه.

في الوقت نفسه، فإنّ حلّ أزمة النازحين السوريين لا تكون بمنحهم جنسية غير جنسيتهم، على ما أشارت الاوساط، أكانت لبنانية أو غير لبنانية (في دول الجوار)، فليتفضّل الأمين العام ويستضفهم في نيويورك ويمنحهم الجنسية الأميركية، أو في بلاده كوريا الجنوبية وليمنحهم جنسيته، بدلاً من أن «يتكارم على حساب سواه»، أو على حساب الدول المضيفة للنازحين، والتي تستضيفهم إنسانياً رغم كلّ ما تتكبّده جرّاء هذا الاستقبال.

فما يقترحه هو «هراء»، على ما أكّدت الاوساط، فلبنان بلد صغير يضيق بأبنائه، وهو يرفض التوطين رفضاً قاطعاً، وهو بلد ذو سيادة وحرية واستقلال، ولا يحقّ للأمين العام أن ينتقص من كلّ هذه، ويحاول فرض ما يجده هو حلاً شاملاً لأزمة النازحين، ويعتبر نفسه أنّه لم يخطىء بحقّ هذه الدول، إنّما هو يقدّم مجرّد اقتراحات، أو رؤية شاملة للحلّ، وكأنّ الدول المضيفة غير معنية بهذا الحلّ الشامل، ولهذا لم يأتِ على ذكرها بالأسماء.

في المقابل تسأل الاوساط، من الذي قال للسيد بان بأنّ السوريين أنفسهم، يريدون التخلّي عن جنسيتهم، أو أنّهم يفتّشون عن جنسية ثانية، في حال عمل الحلّ الشامل على إعادتهم الى مناطقهم في بلادهم بعد عودة الأمن والاستقرار وإعادة إعمار البلاد؟ وإذا كان هناك من يطلب اللجوء، فإنّ ذلك يحصل في البلدان الموقّعة على اتفاقية جنيف للاجئين (عام 1951)، ولبنان ليس من ضمنها لكي يقبل طلبات لجوء من أي نازحين أو لاجئين فيه.

من هنا، يأتي تحرّك لبنان الرسمي عبر وزير خارجيته الذي أرسل الى الأمين العام بواسطة كاغ رسالة أعادت التأكيد على موقفه من اقتراحات بان، تضمّنت رفض لبنان لما ورد في تقريره لناحية «استيعاب النازحين في أماكن تواجدهم وضرورة اندماجهم في المجتمعات، ووضع السياسات الوطنية من قبل الدول للتكيّف مع بقائهم فيها وصولاً الى إعطائهم الجنسية». كما شدّد في رسالته، على ما قالت الأوساط نفسها، على كلّ ما أعلنه المسؤولون اللبنانيون للأمين العام خلال زيارته الى لبنان، أي على «موقف لبنان برفض التوطين، وأي شكل من أشكال التجنيس، وأي شكل من أشكال البقاء الطويل للسوريين»، معتبراً أنّ «الحلّ الوحيد هو بعودتهم السريعة والآمنة الى وطنهم سوريا».

ولهذا، كان على الأمين العام، على ما رأت الاوساط، عدم تخطّي المواقف التي سمعها، كما الدستور اللبناني الذي يعرفه تماماً، وأن يذكر بالتالي موقف لبنان الرسمي من رفض التوطين، خلال وضعه نقاط رؤيته الشاملة لحلّ أزمة النازحين الكبيرة، وعدم الإنزلاق في متاهات لا يُمكن تنفيذها في لبنان من دون رضى أو موافقة الحكومة اللبنانية.

فما كتبه بان، وإن لم يكن يقصد به «توطين السوريين في لبنان ومنهحم الجنسية اللبنانية»، علماً أنّه لا يقصده فقط بل ويريده أيضاً، على ما أكّدت الأوساط الديبلوماسية نفسها، يُعتبر تجاوزاً سافراً لكلّ القوانين والدساتير الدولية، وليس فقط للدستور اللبناني، وحتى القيم الإنسانية، وهو بالتالي لا يمكنه فرضه على أي دولة، مهما حاول إغراءها بالمال أو بإغداق المساعدات المالية عليها. فهذه المساعدات، أياً يكن الرقم الذي ستصل اليه، فهو لا يُعتبر شيئاً مقابل ما صرفه لبنان حتى الآن، لقاء استضافته لأكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري منتشرين على أراضيه كافة.

ومن هنا، يُطالب لبنان اليوم من السيد بان توضيحاً شافياً عن كلّ ما قصده من تقريره الصادم هذا، قبل مناقشته في أيلول المقبل، وإلاّ فإنّ ما قاله لا يُمكن اعتباره خلاف ما يقصده أي «توطين النازحين السوريين في لبنان ومنحهم الجنسية اللبنانية»، رغماً عن لبنان وبقرار دولي، على ما يطمح، كون لبنان بلداً صغيراً، وقد ينصاع بسهولة لقرارات الأمم المتحدة. غير أنّ اقتراح بان هذا سيبقى حلماً، لهذا عليه السعي من أجل تسريع إعادة النازحين الى بلادهم.